بقلم: وائل نجم

  خلال الأسبوعين الأخيرين برز في لبنان ملفان إلى سطح الأحداث، وتقدّما في الاهتمام والمتابعة على ملف تشكيل الحكومة. الملف الأول هو ما كُشف عن إصدار مرسوم يمنح الجنسية لعدد من الأشخاص من جنسيات مختلفة، ويصل العدد إلى 430 شخصاً. والملف الآخر هو الضجّة المثارة دائماً على موضوع وجود اللاجئين السوريين في لبنان، والمطالبة الدائمة بضرورة إعادتهم إلى سورية، حتى لو شكّل ذلك خطراً على حياتهم وأمنهم الشخصي.
في الملف الأول استفاق اللبنانيون من دون سابق إنذار أو مقدمات على «تهريب» مرسوم يمنح الجنسية اللبنانية لقرابة ثلاثمئة شخص من جنسيات مختلفة، ولم يوضح المرسوم الأسباب التي جعلت المعنيين يصدرونه، فضلاً عن أن اللبنانيين صدموا بتهرّب المعنيين من المسؤولية عن ذاك المرسوم، وكأنه وُلد يتيماً!! حتى جرى في ما بعد تكليف الأمن العام متابعة الأسماء، والتدقيق فيها، ومن ثم إصدار تقرير بهذا الخصوص، وقد قيل إن المراجع المعنية المختصة طلبت تأجيل نشر المرسوم أو العمل به، وليس سحبه، فيما شهد البلد حملة واسعة من المواقف السياسية و«المزايدات» في مسألة رفض منح الجنسية، والمطالبة بسحب المرسوم، وإلغاء منح الجنسية لهؤلاء «المجنّسين» الجدد. والحقيقة أن ما كتب قد كتب، وأن تأجيل نشر المرسم لا يعني أبداً سحبه، وبالتالي سيكون هؤلاء المجنسون متمتعين بكامل الحقوق التي يتمتع بها المواطن اللبناني، ولو بعد فترة وجيزة.
أما في الملف الثاني الذي يُعدّ بمثابة شمّاعة تحاول الكثير من القوى السياسية إما المتاجرة به لإثارة الغرائز الطائفية والمذهبية وتعبئة المناصرين والبيئة الحاضنة أمام الاستحقاقات، وإما تحاول هذه القوى التهرّب من مسؤولية الفشل في كثير من الملفات الحياتية وغيرها ملقية بالمسؤولية عن ذلك على كاهل ملف اللاجئين باعتبارهم يشكّلون عبئاً كبيراً على البنية التحتية اللبنانية وعلى الاقتصاد اللبناني، ولا قدرة للبنان على تحمّل هذا العبء. لذا، راحت هذه القوى عند كل مفترق، وأمام كل استحقاق تطالب وتضغط من أجل إعادة اللاجئين السوريين إلى سورية حتى لو كان ذلك على حساب أمنهم الشخصي، وحياتهم، غير مكترثة بما يمكن أن يحصل لهم جراء ذلك، مخالفة بذلك القوانين والأعراف الدولية. حتى إن بعض المؤسسات راحت تعمل جدّياً، على الأرض، لترحيل السوريين، وربما مارست بعض الضغوط عليهم في أكثر من شكل، لإجبارهم أو لإقناعهم عنوة بالعودة إلى سورية حتى لو شكّل ذلك خطراً عليهم.
والحقيقة أن هناك تناقضاً عجيباً غريباً في مواقف وتصريحات وممارسة بعض القوى السياسية لناحية الملف الأول والثاني، إذ إن بعض القوى السياسية والشخصيات كانت موافقة وداعمة لمسألة مرسوم منح الجنسية، واعتبرت ذلك من حق وصلاحية رئيس الجمهورية، (وبالمناسبة أنا لست ضد هذا الحق والصلاحية، ولا حتى ضد منح الجنسية)، فيما رفضت رفضاً شديداً مسألة تملّك بعض اللاجئين شقة سكنية بمالغ كبيرة وخيالية لا يملكها إلا قلّة قليلة من اللاجئين في مقابل منحه إقامة دائمة في البلد ما دام يملك هذه الشقّة، ومن دون أن يتمتّع بكل تأكيد بحقوق المواطنة الكاملة كحق الانتخاب والترشح وما سوى ذلك. وهنا يظهر التناقض الكبير والصارخ بين الموقف الأول التي وافق أو سكت على مرسوم منح الجنسية لبعض الأشخاص، وبين المطالبة بإعادة اللاجئين إلى سورية خوفاً من التوطين، ويكشف هذا الموقف أن المسألة لا تتعلق إلا بموقف تاريخي ودفين من مسألة التوزّع السكاني في لبنان، ومن قضية التوازن القائم في البلد، وهو في حقيقته مختلّ بالنظر إلى الأحجام التي يشغلها كل مكوّن قياساً بحجمه وتأثيره، ولكن من غير المنطقي أن يتحوّل التناقض في الموقف إلى هذا الشكل الصارخ والفاضح الذي يكشف حجم ما تكنّه النفوس من مشاعر لا ينبغي أن يكون لها اي حضور أو تأثير في علاقة اللبنانيين ببعضهم، ولا حتى بضيوفهم أو بالمهجّرين رغماً عن إرادتهم إلى لبنان، وما تشديدي على ضرورة إيجاد حلّ منصف وعادل لهم حتى لا يتحوّلوا فعلاً إلى عبء على الحياة اليومية للمواطنين.
نحن في لبنان بحاجة إلى مقاربة ملفات من هذا القبيل بشكل أكثر هدوءاً وعقلانية وانسجاماً مع ذاتنا وقناعتنا والتزاماتنا الوطنية والميثاقية وحفاظاً على العقد الفريد الذي جمع اللبنانيين.}