وائل نجم كاتب و باحث


 يوم العشرين من شهر حزيران المقبل هو اليوم الأخير من عمر المجلس النيابي الحالي، ووزارة الداخلية ملزمة بموجب القانون أن توجّه الدعوة للهيئات الناخبة قبل تسعين يوماً من اجتماع الناخبين، أي في أول يوم انتخاب، وإلا اعتبرت الانتخابات بحكم المُلغاة، وفي هذه الحالة يعني أن الحد الأقصى لتوجيه الدعوة إلى الهيئات الناخبة وتعيين هيئة الاشراف على الانتخابات هو يوم العشرين من آذار المقبل، هذا إذا افترضنا أن الانتخابات ستجري في يوم واحد في كل لبنان بهذا اليوم، وهذا بالطبع أمر متعذر لأسباب كثيرة، منها عدم قدرة الجيش والاجهزة الأمنية على تغطية كل مراكز الاقتراع في كل لبنان في يوم واحد، وكذلك عدم قدرة الجهاز التنفيذي (رؤساء الاقلام والكتبة ...)  على إجراء الانتخابات في يوم واحد  في كل لبنان. وكل هذا يعني أن المهل الدستورية باتت تضغط بقوة على الحكومة، وعلى القوى السياسية وعلى الجميع من أجل إنجاز هذا الاستحقاق وعدم الدخول في الفراغ أو التمديد للمجلس الحالي.
إلا أن رئيس الجمهورية ميشال عون، أعلن في أكثر من مناسبة أنه لن يوقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة إذا ما أصدره وزير الداخلية نهاد المشنوق، لأن هذا المرسوم حتى يصبح نافذاً لا بدّ له من توقيع رئيس الجمهورية، أو أن يصدر عن الحكومة بمرسوم، وعندها لا يكون بحاجة إلى توقيع رئيس الجمهورية. والمسألة في الحكومة معقدة لناحية اصدار مرسوم بدعوة الهيئات الناخبة لإجراء الانتخابات وفق القانون النافذ (قانون الستين) لأن العديد من الاطراف السياسية غير قابلة به، بما في ذلك رئيس الجمهورية. وبناءً على ذلك، فإن عدم توقيع رئيس الجمهورية مرسوم دعوة الهيئات الناخبة إذا صدر عن وزير الداخلية، يعني أن الانتخابات لن تجري في موعدها وفق القانون النافذ، وهذا يدعو بدوره إلى تكثيف الاتصالات والنقاشات واللقاءات من أجل التوصل إلى قانون انتخاب جديد يكون محل رضا كل اللبنانيين أو أغلب القوى السياسي، وهذا بات يحتاج إلى مزيد من الوقت قبل استنفاد المهل الدستورية، وهو بالطبع ما يعني أن الانتخابات لن تجري في وقتها المقرر، أي قبل العشرين من شهر حزيران المقبل.
وإذا لم يُصَر إلى توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة قبل الموعد المحدد، والحد الاقصى له قبل العشرين من شهر آذار المقبل، وإذا لم يُصَر إلى الاتفاق على قانون انتخاب جديد يحظى بثقة أغلب الاطراف السياسية، فإن ذلك سيعني حتماً الفراغ على مستوى السلطة التشريعية، وهو أمر مرفوض، ولا سيما من ناحية رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، الذي سيجد نفسه فيما لو تمّ ذلك خارج إطار السلطة لأول مرة منذ عام 1992، وهو أمر خطير، خاصة أن ذلك سيضرب التوازن على مستوى السلطات من ناحية، وسيُخل بمبدأ الميثاقية من ناحية، أخرى، حيث سيكون هناك من هو جاهز للقول إن الطائفة الشيعية غير ممثلة في السلطة على مستوى الرئاسات، وقد لمّح الرئيس بري إلى ذلك من خلال تصريحه بأن الحكم استمرار ولن يكون هناك فراغ على مستوى المجلس النيابي، بل سيظل يقوم بتصريف الاعمال تماماً كما هو الحال عندما تستقيل الحكومة أو عندما تفقد الثقة، وبالتالي فإن ذلك سيدخل البلد في دوامة تفسير دستوري وجدل «بيزنطي» قد يأخذ الأمور إلى ما هو أبعد من ذلك.
الأمر الآن بات بحاجة ماسة إلى اتفاق الاطراف السياسية على قانون جديد للانتخابات قبل الوصول إلى هذه الاشكالية التي ستتمثل بالفراغ من وجهة نظر البعض، والتمديد للمجلس النيابي من وجهة نظر البعض الآخر، وفي كلا الحالين فإن الموضوع سيكون معقداً وسيخلّف أزمات جديدة لبنان بغنى عنها.
الاشكالية الأخرى التي تعوق الاتفاق على قانون انتخاب جديد تكمن في أن كل طرف سياسي يريد الهيمنة على قانون الانتخاب، وبالتالي الهيمنة على المجلس النيابي من خلال حيازة أغلبية نيابية، وتالياً الهيمنة على الحياة السياسية في لبنان، ضارباً عرض الحائط بمصالح الاخرين، بل حتى المصالح الوطنية، وهذا التفكير إذا استمر سيعني انهيار الهيكل على رؤوس الجميع دون استثناء.
الحكومة الحالية وهي حكومة الانتخابات باتت مسؤولة عن هذا الوضع، ومطالبة بوضع يدها على الملف بشكل أكثر فعالية، والتقدم بمشروع قانون انتخاب إلى المجلس النيابي يأخذ في الاعتبار احترام المهل الدستورية، وتمثيل اللبنانيين تمثيلاً صحيحاً، أو على اقل تقدير السير بمشروع القانون الذي كانت قد تقدمت به حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وإلا فستُعَدّ هذه الحكومة مسؤولة ومعرقلة لإجراء الانتخابات في وقتها الدستوري. كذلك إن المجلس النيابي بكافة كتله مسؤول عن إنتاج قانون انتخاب جديد يحقق إجراء الانتخابات في وقتها، وأمام المجلس مشاريع واقتراحات قوانين، وبإمكانه البدء بدراسة أي مشروع أو اقتراح قانون أمام الهيئة العامة، وبإمكان الرئيس نبيه بري وضع كافة الكتل أمام مسؤوليتها قبل فوات الأوان.