وائل نجم كاتب و باحث

 دحض رئيس مجلس الوزراء، سعد الحريري، الشك باليقين ووقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الذي أصدره وزير الداخلية، نهاد المشنوق، قبل انتهاء المهلة القانونية بعدة أيام، وقد استمهل الحريري حتى آخر يوم من المهلة، علّ الأمور تجد انفراجاً على مستوى قانون الانتخاب، إلا أن انسداد الأفق حتّم القيام بالواجب القانوني والدستوري، وتوقيع المرسوم وإحالته على رئاسة الجمهورية لتوقيعه، حتى لا يتحمّل رئيس الحكومة مسؤولية تعطيل إجراء الانتخابات وفقاً للقانون النافذ، وحتى تتحمّل كل مرجعية مسؤوليتها وتقوم بدورها وواجبها وفقاً للصلاحيات التي حدّدها الدستور.
لقد أكد رئيس الجمهورية ميشال عون في أكثر من مناسبة أنه لن يوقّع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وفقاً للقانون النافذ المعروف بـ «قانون الستين»، لأنه لا يعتبر هذا القانون منصفاً ويحقق التمثيل الصحيح للبنانيين، إلا أن القوى السياسية والكتل النيابية والحكومة لم تتمكن من التوصل إلى توافق على قانون جديد في المهل القانونية المعتبرة. والحكومة لم تقم بدورها وواجبها في التقدّم بمشروع قانون جديد للمجلس النيابي، والمجلس النيابي لم يقم بدوره في مناقشة مشاريع واقتراحات القوانين المقدّمة إليه. وعليه، فإن إجراء الانتخابات بعد اليوم ضمن المهل القانونية بات مشكوكاً فيه، ويمكن أي جهة الطعن في هذه الانتخابات إذا حصلت، سواء وفقاً للقانون النافذ أو وفقاً لغيره من القوانين، إذ إن القانون حدّد مهلة تسعين يوماً بين دعوة الهيئات الناخبة، وبين اجتماعها، وهذا لن يحصل بعد تعطيل إصدار وإعلان المرسوم في الجريدة الرسمية، وعليه فإننا اليوم أمام أزمة جديدة قد لا تقلّ خطراً وأهمية عن الأزمات الأخرى.
لقد اعتبر رئيس الجمهورية ميشال عون أن مهلة 21 شباط ليست مهلة إسقاط وإنما هي مهلة حثّ، واعتبر أيضاً أن آخر يوم من عمر المجلس النيابي الحالي هو العشرون من حزيران، وبالتالي هناك متسع من الوقت حتى العشرين من آذار لتوقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة ونشره في الجريدة الرسمية، وهو يأمل التوصّل إلى قانون انتخاب في خلال هذه المهلة، وإن استدعى ذلك تمديداً تقنياً لبضعة أشهر للمجلس النيابي. وعليه فإن عهدة إجراء الانتخابات اعتباراً من اليوم باتت مسؤولية الرئيس بشكل أساسي، سواء لناحية الإفراج عن مرسوم الهيئات الناخبة، أو لناحية التقدّم بمشروع قانون جديد للانتخابات إلى الحكومة لإقراره وإحالته على المجلس النيابي.
رئيس الجمهورية، وكما نقل عنه بعض زوّاره، قال إنه يميل إلى مشروع قانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (نسبية و13 دائرة انتخابية) مع إدخال بعض التعديلات عليه لمراعاة بعض الهواجس، وهذا قد يفتح الباب على نقاش جدّي في خلال الأيام المقبلة في إمكانية النظر ببعض الدوائر الانتخابية، أو حتى إدخال بعض صيغ المختلط.
من جهته النائب وليد جنبلاط، وكان من أبرز المعارضين للقانون النسبي، صرّح في مقابلة مع قناة «فرانس 24» العربية بأنه إذا كان لا بدّ من الخلط بين النسبية والأكثرية فلا بأس في ذلك، مبدياً استعداده للنقاش إذا كان الأمر يبدد بعض الهواجس التي تقلقه. وكذلك أبدى الرئيس سعد الحريري بعض الايجابية لجهة اعتماد شيء من النسبية في القانون الجديد، شرط أن لا تكون لمصلحة طرف على حساب طرف آخر. وكذلك الأمر بالنسبة إلى القوات اللبنانية التي تشترط القانون المختلط لأي صيغة قانونية جديدة للانتخابات.
الوقت لإقرار قانون جديد لا يبدو واسعاً، وتمسك الاطراف بمواقفها لا يعطي أملاً كبيراً بالتوصل إلى اتفاق على قانون انتخاب جديد، ومن هنا يبدو القلق من حالة الفراغ التي قد تصيب السلطة التشريعية والتي قد تنزلق بلبنان إلى أتون الفوضى التي تجنّبها على مدى الأعوام الستة الماضية التي عصفت بالجوار. إلا أن الإصرار على ركوب العناد لدى الاطراف المعنية قد يخرج الامور عن السيطرة. لقد حذّر رئيس المجلس النيابي نبيه برّي من الفراغ، ووجّه رسالة واضحة بأن النظام اللبناني نظام برلماني ديمقراطي ليس فيه مكان للفراغ والشغور في السلطة التشريعية، والمجلس النيابي سيّد نفسه، وهي رسالة تؤكد أن عدم إجراء الانتخابات في وقتها، وعدم الاتفاق على قانون جديد خلال هذه المهلة المتبقية سيدخل لبنان حتماً في أزمة جديدة بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي في ضوء تفسير كل منهما للواقع، وعندها قد نكون أمام أزمة نظام حقيقية تسوقنا سوقاً إلى ما يسمّى «المؤتمر التأسيسي»، وعندها فعلاً قد ندخل دوّامة الأحداث.