وائل نجم - كاتب وباحث

تعقد يوم الثامن والعشرين من الشهر الجاري جلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية هي الجلسة رقم 45، ولا يبدو أن جديداً قد طرأ على ملف الرئاسة لناحية تأمين النصاب القانوني لجلسة الانتخاب من أجل اختيار مرشح من المرشحين. فالمواقف على حالها ولم يطرأ عليها اي تطور ايجابي. كتلة المستقبل دحضت كل الشائعات التي ترددت خلال الايام الماضية عن إمكانية أن يدفع الرئيس سعد الحريري بنواب كتلته لينتخبوا الجنرال ميشال عون رئيساً في الجلسة المقررة يوم 28، وأكدت بعد اجتماعها الاسبوعي الثلاثاء الماضي أنها لا تزال تتمسك بترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، بل طلبت أكثر من ذلك عندما طالبت «حزب الله» بتأمين الاصوات لمرشحه ميشال عون إذا كان جاداً فعلاً بإيصاله إلى سدة الرئاسة، وذلك من خلال العمل على إقناع الرئيس نبيه بري بانتخابه. وفي مقابل ذلك، أكد «حزب الله» أنه متمسك بعون مرشحاً وحيداً لرئاسة الجمهورية، وهو ما أعلنه نائب الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، ورئيس «كتلة الوفاء للمقاومة»، محمد رعد، وهو ما يجعل ميشال عون متمسكاً أيضاً بترشحه، رافضاً التخلي عن هذا الترشح. وبالطبع فإن بقية الاطراف السياسية والكتل النيابية متمسكة أيضاً بموقفها سواء إلى جانب هذا المرشح أو ذاك. إلا أن الشيء الجديد في كل هذا الملف الذي لا يزال يراوح مكانه منذ أكثر من سنتين ونصف، هو التهديد باللجوء إلى الشارع الذي بدأ يلوّح به «التيار الوطني الحر»، والذي سبقته مقاطعة وزراء التيار جلسة الحكومة تحت عنوان الميثاقية، وقد أخذ التيار الوطني الحر يكثر خلال الايام الماضية بالتهديد والتلويح بالنزول إلى الشارع من أجل الضغط لانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. فهل يلجأ «التيار الوطني الحر» فعلاً إلى الشارع؟ ولماذا؟ وهل يقبل معه حلفاؤه بهذا الخيار؟ وإلى أين يمكن أن تمضي الأمور؟
مما لا شك فيه أن لعبة الشارع في لبنان لعبة خطيرة ومكلفة جداً، فالوضع في الجوار اللبناني مشتعل بشكل كبير، وها نحن نرى أن معظم الوساطات والاتصالات تفشل حتى الآن في التوصل إلى اتفاق لوقف نار حقيقي، سواء في سوريا أو حتى في اليمن أو في العراق، والصراع يأخذ يوماً بعد يوم بعداً طائفياً أو مذهبياً، والحالة في لبنان على مستوى الاستقرار الأمني ليست على ما يرام كما تظهر في يوميات اللبنانيين، فالبلد يعيش حالة من الاحتقان الكبير على المستويات كافة، ويكاد ينفجر في أية لحظة، وحالة الاحباط التي تعيشها شرائح كثيرة من اللبنانيين، قد تجد بعضها في لعبة الشارع متنفساً للخروج لما يمكن أن تظنها حالة أفضل. والتعبئة –للأسف – موجودة وقائمة عند الجميع، وبالتالي إن لعبة الشارع تعني في ما تعنيه في لحظة من لحظاتها، انزلاق البلد نحو الفوضى الكاملة والشاملة، خاصة إذا ما شعرت مكونات معينة بمزيد من الاحباط، أو بمحاولة للانقلاب على النظام السياسي القائم لفرض معادلات جديدة، وعليه فإن ذلك قد يدخل البلد في دوامة المجهول التي قد يملك البعض فيها قرار النزول إلى الشارع، ولكنه بكل تأكيد قد لا يملك قرار الخروج منه، ولا كيفية هذا الخروج، أو كلفة هذا الخروج، وعليه فإن «التيار الوطني الحر» ينبغي أن يفكّر ملياً قبل الإقدام على هذه الخطوة حتى لا تكون خطوة تشبه في نتائجها على المسيحيين، ما سمّي يوماً حرب «توحيد البندقية».
وأما لماذا يلوّح «التيار الوطني الحر» بالشارع كخيار قد يلجأ إليه من أجل تحقيق مطالبه، ولا سيما في رئاسة الجمهورية، فلعلّه يوجه تهديده إلى من يعتبرهم خصومه في السياسة، حتى تصل رسائله إلى حلفائه، وهنا على وجه التحديد «حزب الله»؛ والمعروف أن الحزب في هذه المرحلة يريد للوضع في لبنان أن يبقى في دائرة المراوحة، لا يريد للحلول أن تسير إلى الأمام، ولا يريد أن ينزلق البلد إلى الفوضى، بانتظار ما ستؤول إليه الامور في سوريا، وحتى لا تفتح عليه جبهة جديدة في الداخل اللبناني، هي بالتأكيد أكثر تأثيراً في بيئته من تورطه بالحرب السورية، لذلك يحرص الحزب كل الحرص على إبقاء الاوضاع في لبنان تحت السيطرة، وبالتالي فإنه لا يفضّل أي تحرك في الشارع قد لا تكون عواقبه مضمونة، وقد رأينا كيف فرّغ الحزب وحلفاؤه العام الماضي التحركات التي قادها المجتمع المدني في لبنان لمواجهة الفساد وسوء الادارة الحكومي، وعليه فإن إحدى رسائل عون من التلويح بالشارع أو التهديد به قد تكون موجهة إلى حلفائه بل إلى «حزب الله» تحديداً، حتى يضغط عليهم من أجل تأمين أصوات حلفاء الحلفاء (كتلة بري) في معركته الرئاسية، وهنا كانت لافتة نصيحة رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، لعون، حيث حذّره من مغبة لعبة الشارع.
بناء عليه، فإن «حزب الله» سيعمل على استيعاب هذا الطرح، أو هذا التهديد من خلال إرضاء الجنرال بشيء ما في مكان آخر، ولن ينجر معه إلى لعبة الشارع التي يلوح بها، لأنها ستصيبه أولاً وقبل الجميع بأضرار كبيرة. وأغلب الظن أن الجنرال عون سيعود إلى الواقعية في مقاربة هذا الموضوع، وسيجعل من التحرك رمزياً إذا ما حصل، وفي أماكن محددة تكون بمثابة الاحتفاظ بماء الوجه، أو سيقبض ثمن أي تراجع في أماكن أخرى قد تكون مزيداً من التنازل لمصلحة وزرائه في الحكومة، وفي الادارات.
يبقى شيء واحد، وهو أن تلويح وتهديد عون كان غالباً ما يتوجه إلى الرئيس سعد الحريري لتحديد موقفه من انتخابه (عون) لرئاسة الجمهورية، في حين أن الحريري ليس مسؤولاً عن ذلك، اللهمّ إلا إذا كان يستعجل الرجوع إلى السرايا الكبيرة.