وائل نجم

بقلم: وائل نجم 
 مضى قرابة ثلاثة أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة العتيدة، ولكن على الرغم من كل الاتصالات والمشاورات التي جرت خلال هذه الفترة، ومن محاولات تدوير الزوايا بين الأطراف المعنيّة، لم يتمكّن الرئيس المكلف من التوفيق بين مطالب القوى السياسية والكتل النيابية، وبالتالي لم يتمكّن، إلى اليوم، من تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع كل الأطراف اللبنانية في هذه المرحلة بالذات. 
الحديث جرى خلال الفترة الماضية حتى أيام قليلة عن عقد داخلية تعوق تشكيل الحكومة، وتتمثّل هذه العقد بعقدة مسيحية حول تمثيل المسيحيين في الحكومة بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، على الرغم من حصول تفاهم بين الحزبين (تفاهم معراب)، وعقدة درزية يرفضها الزعيم الدرزي، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، على اعتبار أن الانتخابات النيابية أعطته حصراً التمثيل الدرزي  (سبعة نواب من أصل ثمانية)، وعقدة سنّية أقل حدّة تتمثل برفض الرئيس المكلف، سعد الحريري، تمثيل النواب السنّة الفائزين بالانتخابات في الحكومة على حساب حصته، وهي عقدة أقل حدّة من غيرها وقابلة للحلّ. إضافة إلى عقدة أخرى تتمثّل بمسألة مطالبة رئيس الجمهورية بحصة وزارية هي عبارة عن ثلاثة وزراء داخل الحكومة، وهي تعطيه مع حصة التيار الوطني الحر الذي كان يرأسه قبل انتخابه رئيساً للجمهورية، أحد عشر مقعداً وزارياً من أصل ثلاثين مقعداً، ما يعني امتلاكه لحصة الثلث إضافة إلى مقعد وزاري، ما يمكّنه من التحكم بالحكومة بشكل كبير، وهذا مرفوض من معظم القوى الساسية في البلد. وتكاد تكون هذه أبرز، إن لم نقل، كل العقد الداخلية التي تعيق تشكيل الحكومة. 
إلا أننا قبل أيام قليلة بدأنا نسمع عن معوّقات خارجية تعوق تشكيل الحكومة وترفض تشكيلها في هذا التوقيت. 
فقد لمّح رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، إلى أن هناك بعض الشكوك حول وجود عقبات ومعوّقات خارجية أمام تشكيل الحكومة، إلا أن شيئاً ملموساً بهذا الخصوص غير قائم، ولم يشر بري إلى الجهات الخارجية. 
وأشار رئيس الجمهورية، ميشال عون، أثناء كلمته في عيد الجيش إلى وجود عقبات ومعوّقات خارجية تعوق تشكيل الحكومة. كذلك أشار أيضاً وزير الخارجية ورئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، عندما تحدث عن فك أسر لبنان من الاعتقال السياسي، وكان يوحي بذلك إلى عامل خارجي يعوق تشكيل الحكومة. 
وفي هذا السياق نقلت جريدة «الجمهورية» أن الرئيس المكلف، سعد الحريري، واثناء زيارته الأخيرة لباريس، طلب من الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، التدخل لدى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، للموافقة على تشكيل الحكومة، باعتباره (بن سلمان) يعوق تشكيلها، إلا أن مكتب الحريري في بيروت نفى جملة وتفصيلاً هذا الحديث، وأكد أن زيارة الحريري لباريس كانت عائلية ولم يلتقِ خلالها أيّاً من المسؤوليين الفرنسيين. 
هل هناك فعلاً وحقيقة معوّقات خارجية تمنع حتى الساعة تشكيل الحكومة اللبنانية؟ وأين يمكن أن تكون هذه المعوّقات؟ ومن المستفيد منها؟ أم أنها مجرد تعمية وتمويه على العقد الداخلية لشراء المزيد من الوقت وفرض المزيد من الشروط؟
إذا ركّزنا وتعمّقنا في أسباب تأخر تشكيل الحكومة اللبنانية حتى الآن نجد أن هناك عقداً داخلية فعلية، هي العقد المذكورة، خاصة أن كل طرف يتعامل مع تشكيل الحكومة كما لو أنها غنيمة يريد الفوز بأكبر قدر منها، وليس مصلحة وطنية ومسؤولية نهوض ببلد. ولذلك نعم يمكن أن تشكّل العقد الداخلية وطمع الأطراف و«قلّة مسؤوليتهم» معوّقاً كبيراً أمام تشكيل الحكومة، ولكن ذلك لا يمنع ولا يحجب إمكانية وجود معوّقات خارجية هي السبب الحقيقي الذي يختفي خلف العقد الداخلية ويحول دون تذليل العقبات. 
المعروف اليوم أن المنطقة مترابطة ومتداخلة في ملفاتها وأزماتها، والقوى الفاعلة فيها على المستوى الإقليمي أو الدولي، لها مصالح متشابكة ومتعارضة، وبالتالي من مصلحتها ربط النزاع في بعض الملفات، حتى تتحوّل الساحات إلى مناطق ضغط بيد تلك القوى الفاعلة، وبالتالي تجد أن من مصلحتها أن تقدّم ملفاً أو تؤخّر آخر.
بهذا المعنى ندرك أن لبنان اليوم محكوم بنظرة ومصلحة القوى الإقليمية الفاعلة، ومن هذه القوى بالدرجة الأولى السعودية، وبدرجة أخرى إيران. 
السعودية قد يكون من مصلحتها أن تؤخّر تشكيل الحكومة في لبنان حتى لا يقع البلد مرّة واحدة تحت «الهيمنة» الإيرانية بعد فوز حلفاء إيران في لبنان بالانتخابات النيابية، وهو ما فاخر به ذات يوم قائد فيلق القدس الإيراني، اللواء قاسم سليماني. بل من مصلحتها أن تؤخّر ذلك بانتظار ما ستنجلي عنه الأمور في العراق وسورية واليمن وحتى إيران ذاتها في ضوء العقوبات الأمريكية من ناحية، والانتفاضة الشعبية في الداخل الإيراني من ناحية ثانية.
وكذلك إيران أو بعض حلفائها، كالنظام السوري، الذي قد يكون من مصلحته أن يؤخّر تشكيل الحكومة، لأنه مع كل يوم تأخير تزداد فرص ضغطه وتأثيره على القرار اللبناني. 
أمام هذا المشهد يبدو أن المعوّقات الخارجية تفعل فعلها الحقيقي في تأخير تشكيل الحكومة اللبنانية، وإن كانت على هيئة عقبات داخلية، وبغض النظر عن اتفاقها أو اختلافها.}