بقلم: وائل نجم

تعتزم قيادة الجماعة الإسلامية في لبنان تنظيم مؤتمرها العام هذه المرة بطريقة مختلفة كلياً عن المؤتمرات السابقة، وقد وجّهت الدعوة إلى المؤتمر الذي سينعقد في البيال هذه المرة، وبحضور رسمي وسياسي ودبلوماسي، وهو ما اعتبره البعض تطوراً جديداً في أداء الجماعة على مستوى الشكل.
لقد درجت الجماعة الإسلامية على تنظيم مؤتمراتها الداخلية التنظيمية بعيداً عن الاعلام، ومن غير حضور لغير المدعوين من أبنائها، ثم كانت تصدّر للاعلام خلاصة ما تريده من المؤتمر، ومن قراراته، وتبقي على بقية القرارات والتوجهات طي الكتمان.
هذه المرة قرّرت قيادة الجماعة تنظيم مؤتمرها العام خارج مقراتها، فاختارت منطقة وسط بيروت (البيال) على مسافة من كل الاحياء البيروتية التي يتوزع عليها أغلب الأطراف السياسية, وحتى المكونات اللبنانية، لتؤكد أنها تريد أن تنتهج سياسة جديدة تقوم على مد الجسور مع كل الاطراف اللبنانية. اختارت منطقة حديثة علماً أن مقرها الرئيسي يقع في أحد الأحياء الشعبية في بيروت (عائشة بكار) ربما في رسالة أرادت من خلالها القول إنها تتطلع إلى المستقبل والحداثة، وإن كانت تتمسك بالجذور والأصالة.
لقد وجّهت الجماعة الإسلامية الدعوة إلى الرؤساء الثلاثة وإلى رؤساء سابقين ووزراء ونواب ورؤساء أحزاب وممثلي دول وسفارات ووسائل الإعلام واصدقاء من الخارج والداخل، فضلاً عن كوادرها في المناطق ومسؤوليها المركزيين، وأكدت أن جلسة المؤتمر ستكون مفتوحة أمام الاعلام. فماذا أرادت الجماعة من هذه الخطوة؟ وهل تعتبر هذه الخطوة تطوراً في مقاربة الجماعة للقضايا الفكرية والسياسية على الساحة اللبنانية والعربية؟ وكيف ستعمل على ترجمة ما سيصدر عن المؤتمر من مقررات؟  
بات من الواضح أن الجماعة الإسلامية تحاول منذ انتخاب القيادة الجديدة برئاسة الأستاذ عزّام الأيوبي، الذي ينتمي إلى الجيل الثاني من قيادات الجماعة، وعلى تماس مباشر مع الجيل الثالث، مقاربة الأمور السياسية والفكرية في الساحة اللبنانية بشكل يواكب تطورات المشهد اللبناني سياسياً وفكرياً، وبما يحافظ على تمسك الجماعة بتاريخها وأصالتها من ناحية، والتجديد في خطابها من ناحية أخرى، وقد ظهرت ملامح هذا التوجه في خطاب الأيوبي عندما تسلّم الأمانة العامة بعيد انتخابه. واليوم يأتي هذا المؤتمر ليواكب هذا التوجه من خلال الانفتاح على الإعلام والمكونات السياسية بطريقة تؤكد إصرار الجماعة الإسلامية على كسر الصورة النمطية التي التصقت بها، بل وبكل الحركات الاسلامية من دون إرادة أو تخطيط منها.
الجماعة الاسلامية في مؤتمرها لهذا العام ستؤكد أنه ليس لديها ما تخفيه عن الرأي العام اللبناني والعربي، وأنها جزء لا يتجزأ من النسيج اللبناني، وأن برنامجها ورؤيتها السياسية والفكرية للبنان والمنطقة ستكون بين يدي كل اللبنانيين، بل ستكون محل نقاش وحوار في أي نقطة من نقاطها، وهي ستكون مستعدة للحوار في أي من هذه النقاط التي قد تكون بحاجة للحوار مع أي طرف، وستقول رأيها وموقفها في معظم القضايا الخلافية والوفاقية التي تعيشها الساحة اللبنانية.
إلا أن التحدّي الأكبر والأهم يبقى في كيفية تحويل الجماعة الإسلامية ما ستتضمنه رؤيتها السياسية ومقاربتها الجديدة من إطار التنظير إلى برامج فعلية حقيقية تكسر الحلقة التي تحيط بها وتخرجها منها إلى رحاب التفاعل الشعبي والوطني الحقيقي.
وأما التحدّي الآخر فهو في تأكيد لبنانيتها، وهنا لا يعني الشك بالانتماء اللبناني لأفرادها، بل في خطابها العام ومواقفها التي كانت تظهر في كثير من الأحيان متفاعلة مع قضايا عربية أو إسلامية بقدر أكبر بكثير من تفاعلها مع قضايا لبنانية محلية، وهنا يطرح البعض سؤالاً افتراضياً عن فكّ الجماعة ارتباطها بـ«الاخوان المسلمين» إذا كان هناك ثمة ارتباط؟!
الجماعة الإسلامية اتخذت قراراً جريئاً وشجاعاً من خلال هذا المؤتمر المفتوح تؤكد فيه خروجها من الغرف المغلقة إلى القاعات والساحات المفتوحة، وهذا قد يجعلها أمام تحديات ومسؤوليات جديدة ومواجهات قد تكون مفتوحة، وهذا يستدعي مزيداً من الانفتاح والوضوح لكسب ثقة الرأي العام، فهل ستكون على قدر هذه المسؤولية في هذه المواجهات المفتوحة؟}