وائل نجم كاتب و باحث


 حطّ وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، ضيفاً على لبنان موفداً من العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، وحمل الوزير السعودي معه في زيارته بشرى تعيين سفير جديد للمملكة في لبنان، وقد دعا السعودين إلى العودة إلى لبنان من أجل السياحة والاصطياف والتسوّق، مؤكداً أن كل الظروف مشجعة على هذا الموضوع. كذلك بحث الموفد الملكي مع المسؤولين اللبنانيين الهبة العسكرية السعودية للجيش اللبناني، وأكد أمامهم أن العمل بها ما زال قائماً على جدول أعمال القيادة السعودية. وفي موضوع الانتخابات النيابية اللبنانية، أكد السبهان أن الانتخابات إجراء لبناني داخلي بحت، ولا علاقة للمملكة به، ولكنه أكد حرص المملكة على القيادات اللبنانية من أجل التوصل إلى قانون لا يقصي أحداً ولا يغيّب أحداً ويكون شاملاً وعادلاً ومطمئناً للجميع. وقد زار السبهان الوسط التجاري في بيروت، وتناول الطعام إلى جانب أركان السفارة السعودية في بيروت، وصادف وجوده رئيس الحكومة سعد الحريري، وقد كانت خطوة السبهان رسالة واضحة منه إلى السعوديين خصوصاً والخليجيين عموماً بأن الوضع في لبنان مستقر، وأن بإمكانهم العودة إلى ربوع وطنهم الثاني.   
والحقيقة أن زيارة السبهان للبنان تأتي في إطار استكمال ما بدأه رئيس الجمهورية، ميشال عون في أثناء زيارته المملكة، ومتابعة الملفات التي بُحثت هناك، وهو ما يعكس حرصاً سعودياً على العلاقة مع لبنان، وعلى تطبيعها بعد الانتكاسة التي أصابتها جراء مواقف وسياسات الحكومة السابقة في الملفات الاقليمية، ويعكس أيضاً أهمية لبنان في جدول أعمال القيادة السعودية، وحرصها على موقف لبنان إلى جانب أشقائه العرب، ولذلك حمل الوزير السبهان من الملك سلمان إلى القيادة اللبنانية حرصه على تلبية ما تريده، فيما أبدى المسؤولون اللبنانيون، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية ميشال عون، حرصهم على العلاقة مع المملكة، وتطلّعهم إلى تطويرها.
أما في عمق الزيارة السعودية للبنان في هذه المرحلة، فهي ترتبط بأمرين أساسيين: الأول له علاقة بإرساء الاستقرار في لبنان في هذه المرحلة الدقيقة التي تمرّ بها المنطقة، خاصة في ظل الحديث عن تسوية سياسية في الملف السوري بدأت ملامحها تظهر في محادثات أستانة لتثبيت الاستقرار، ومن ثمّ في مفاوضات جنيف المقررة أواخر هذا الشهر، وهي مفاوضات قد تفضي إلى حل سياسي ينطلق أساساً من قرارات مجلس الأمن، ومن مقررات جنيف واحد التي تتحدث عن انتقال سياسي في سوريا، وعن خروج كل القوات الاجنبية من أراضيها. وفي هذا السياق يجري الحديث عن ضغط روسي على إيران و«حزب الله» للانسحاب من سوريا، وهو ما يعني، بالنسبة إلينا في لبنان، تحصين الاستقرار وتمكين الدولة في الوقت الذي سيعود فيه «حزب الله» إلى البلد، أولاً حتى لا يكون فائض القوة التي امتلكها هناك عنصر تأثير سلبي في الدولة والمجتمع في لبنان، وحتى لا يتحول إلى هدف إسرائيلي يطيح ايضاً كل شيء في لبنان. 
أما الأمر الثاني، فهو في تأكيد تطبيع العلاقات السعودية الخليجية اللبنانية من جهة ثانية انطلاقاً من الالتزامات التي تعهد بها الطرف اللبناني، ولا سيما رئيس الجمهورية ميشال عون، قبل انتخابه وبعد انتخابه لناحية تحقيق الاستقرار السياسي في لبنان انطلاقاً من إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وعدم تعقيد المشهد اللبناني العام من خلال إدخاله بأزمات إضافية عبر رفض أية صيغة لإجراء الانتخابات لا تكون مقبولة من الرئاسة الأولى، وتالياً إدخال البلد في دوّامة فراغ جديد على المستوى النيابي هذه المرة، وهو ما يهدد النظام السياسي مرة أخرى، وقد يدخل البلد في دوّامة أزمات هو بغنى عنها. ولعل قطار هذا الاستقرار الذي تحدثنا عنه كان قد بدأ من اتفاقات وتفاهمات روسية فرنسية، وفرنسية سعودية على انتخاب رئيس جديد، وتشكيل حكومة جديدة، والآن انتخاب مجلس نيابي جديد لمواكبة التسويات التي يبدو انها انطلقت في المنطقة. وبهذا الاعتبار يمكن القول إن الزيارة السعودية، والحديث عن سفير جديد، وعن سائحين جدد وعن تقديمات جديدة، وهبات جديدة، تأتي في إطار تطبيع العلاقات اللبنانية الخليجية وفقاً لأجندة تريد الاستقرار في لبنان وبناء الدولة، وليس وفقاً لإبقاء منطق الدويلة والهيمنة هو السائد.