العدد 1675 /6-8-2025

أحيا اللبنانيون، اليوم الاثنين، الذكرى الخامسة لانفجار مرفأ بيروت بتنظيم مسيرتين في العاصمة لرفع الصوت من أجل الحقيقة والمحاسبة والعدالة، وللتأكيد أنّ "جريمة 4 آب" لن تمرّ من دون عقاب، وذلك في وقتٍ أكد فيه الرئيس اللبناني جوزاف عون "العمل بكل الوسائل المتاحة لضمان استكمال التحقيقات بشفافية ونزاهة ومواصلة الضغط على كل الجهات المختصة لتقديم كل المسؤولين إلى العدالة".

وتجمّع مواطنون وأهالي الضحايا في نقطتين بعد ظهر اليوم الاثنين، الأولى ساحة الشهداء والثانية أمام فوج إطفاء بيروت في الكرنتينا، رافعين الأعلام اللبنانية، منها واحد ملطّخ بالدماء، وصور الضحايا، وشعارات تدعو لضرورة محاسبة المسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت الذي صنفه خبراء ومنظمات دولية بأنه من أكبر التفجيرات غير النووية في التاريخ الحديث، وأودى بحياة ما يزيد عن 220 شخصاً وأدى لإصابة الآلاف، ودمر أجزاء من العاصمة، في حين لم تخلُ بعض الشعارات من المطالبة بأن تكون بيروت الكبرى منزوعة السلاح، وذلك قبل أن يتم الالتقاء أمام تمثال المغترب – مدخل مرفأ بيروت.

وشارك في التحرك عدد من أهالي الضحايا، والجرحى، والمصابين من جراء الانفجار، إلى جانب مواطنين وناشطين وعددٍ من الوزراء والنواب لا سيما المنتمين إلى حزب الكتائب (يرأسه النائب سامي الجميل) وحزب القوات اللبنانية (يرأسه سمير جعجع)، والتيار الوطني الحر (برئاسة النائب جبران باسيل)، مع حضور لافت لوزير الصحة في حكومة الرئيس نواف سلام ركان ناصر الدين، علماً أنه محسوب على حزب الله الذي تُوجَّه إليه أصابع الاتهام بتعطيل التحقيقات وحماية المدعى عليهم المحسوبين عليه وحليفه حركة أمل.

وقد أكد ناصر الدين خلال التحرك أنه مع العدالة العادِلة التي تحمي من أحداث مماثلة، وذلك في وقتٍ لم يعترض على وجوده المشاركون بالتحرك أو الأهالي، لكنهم دعوه وحزب الله للالتزام بتحقيق العدالة، ورفع الحصانات عن المطلوبين وعدم تهديد القضاة. وشدد الأهالي خلال التحرّك على أن قسَم الرئيس جوزاف عون والبيان الوزاري لحكومة سلام حول ملف الانفجار "موضع ترحيب"، لكن العبرة تبقى بالتنفيذ وبشكل قاطع وليس بدبلوماسية، معتبرين أن تأخير العدالة يوازي اللاعدالة. وأكد الأهالي أنهم لن يقبلوا بأنصاف الحلول ولا بمساومة على دماء أولادهم، وكل مسؤول يحب أن يحاسب ولن يقبلوا بالحصانات السياسية والنيابية للتنصّل من التحقيق.

 

وقال بيتر بو صعب، شقيق الضحية جو بو صعب، لـ"العربي الجديد"، إن "الجو هذا العام إيجابي أكثر من الأعوام الأربعة الماضية وفي ظل العهد الجديد، والرئيس عون ونأمل خيراً بصدور القرار الظني قبل نهاية العام الجاري"، مضيفاً: "حوربنا على مرّ السنوات من قبل الدولة والدويلة والعالم كله، واليوم نلمس جواً إيجابياً". من جانبها، قالت والدة الضحية جو نون، لـ"العربي الجديد"، إن "السنوات الخمس التي مرّت يمكن اختصارها بحزن وبكاء وبهدلة على الطرقات بسبب الدولة، عدا فقدان ابننا، فكانت الدولة تقف ضدنا، واليوم نأمل خيراً".

وقال وزير المهجرين كمال شحادة لـ"العربي الجديد" إنّ "القرار الظني في القضية اقترب، ومن واجبات الحكومة أن تؤكد أن كل المعلومات التي هي بحاجة لها أن تتوفر وعندما يصدر القرار أن يطبق". وأضاف "لا أعتقد أن هناك عراقيل ستواجه الملف من جديد، وسمعنا الكلام الصادر بهذا الإطار عن وزير العدل ورئيسي الجمهورية والحكومة، وهذا الموضوع تعالجه الحكومة بكل جدية ومن واجباتنا الأخلاقية والسياسية تجاه كل المواطنين، لنعيد بناء جمهورية مبنية على العدالة والقانون، وأيضاً هناك شق شخصي بخسارة جزء منا أعضاء من عائلته وأصدقاء له بالانفجار ونريد أن نرى الحقيقة تطبق".

على صعيد متصل، قال راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر، خلال فعالية دينية أقيمت برعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي في كنيسة مار يوسف – الأشرفية لذكرى ضحايا الانفجار، إنّ "الشعب يريد الحقيقة كاملة في الملف"، متوجهاً إلى المسؤولين عمّا جرى في مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020 وعن هدر كل الدماء، بالقول إن "دماء الأبرياء تصرخ نحو الله طالبةً العدل لها وهو يسمعها، فلا تظنّوا أنه سيغفَل عنكم ولو اختبأتم في أعماق الأرض أو احتميتم بزعيمٍ فاسد، أو اشتريتم ضمير قاض مرتشٍ".

وشهدت الأعوام الخمسة تعطيلاً ممنهجاً لمسار التحقيق، من دون أن يُحاسب حتى الساعة أي مسؤول في الملف، وذلك بدءاً بعرقلة عمل المحقق العدلي الأول القاضي فادي صوان في الدعوى التي رُفعت بوجهه من قبل المدعى عليهما الوزيرين السابقين النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، (المحسوبين على رئيس البرلمان نبيه بري)، ما أدى إلى كفّ يده في فبراير/شباط 2021، لتُستكمَل بعد ذلك محاولات إطاحة القضية من خلال رفع مدعى عليهم أكثر من أربعين دعوى بحق خلفه القاضي طارق البيطار، ورفض كبار المسؤولين المثول أمام التحقيق مستندين إلى الحصانات.

 

وبعد عامين من التعطيل، قرّر البيطار استئناف التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت مطلع فبراير/شباط الماضي، على الرغم من ادعاء القاضي غسان عويدات (النائب العام التمييزي السابق) عليه بتهمة "اغتصاب السلطة"، ومنعه من السفر، واتخاذه قراراً بإخلاء سبيل الموقوفين في القضية، ومنع جميع الأجهزة الأمنية من تنفيذ قراراته، في خطوة وُصِفت بـ"الانقلابية"، واعتُبرت ردّاً على استئناف البيطار عام 2023 التحقيقات، وادعائه على أشخاص جُدد في الملف، من ضمنهم عويدات، وذلك قبل أن يقوم النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، في مارس/آذار الماضي، بإلغاء قرار عويدات.

وشكّل التراجع عن قرار عويدات محطة أساسية سمحت بإزالة عقبة واجهها التحقيق، خصوصاً أنها أعادت التعاون بين البيطار والأجهزة الأمنية كما النيابة العامة، لا سيما على صعيد الاستدعاءات والتبليغات، لتتوالى بعدها التطورات في الملف، لعلّ أبرزها مثول 21 مدعى عليهم أمام البيطار واستجوابهم خلال الأشهر الستة الماضية، بحسب ما أحصت "المفكرة القانونية" عددهم. ومن بين هؤلاء، موظفون من مرفأ بيروت والجمارك وضباط من الأمن العام وأمن الدولة وقضاة ووزراء سابقون ورئيس الحكومة الأسبق حسّان دياب، الأمر الذي ساهم "بإعادة بناء الثقة بمسار العدالة"، خصوصاً أن معظم هؤلاء لم يحضروا الجلسات سابقاً، وسجلوا تحفظاتهم على صلاحية القضاء العدلي بالتحقيق أو تذرعوا بدعاوى المخاصمة التي رفعوها ضد البيطار.

واعتبر التطور بارزاً لناحية امتثال بعض المسؤولين للاستجواب للمرة الأولى، ولو أن البيطار لم يتخذ أي إجراء بحقهم لحين ختمه التحقيقات، إذ أعاد بعض الأمل، خصوصاً في ظلّ تعهدات عون وسلام بالوصول إلى الحقيقة في الملف ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة، بيد أن المخاوف لا تزال قائمة من محاولات عدة لتعطيل عمل القاضي البيطار أو تأخير صدور القرار الاتهامي المنتظر خلال أشهر قليلة أو عرقلة القضية بمجرد إحالة الملف إلى المجلس العدلي، خصوصاً في حال عدم بتّ القضاء بالدعاوى المرفوعة ضد البيطار.