وائل نجم كاتب و باحث

 فجأة، وككل مرّة، انفجر الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة صيدا في جنوب لبنان، ولكن هذه المرة تواصلت الاشتباكات بين مجموعات من حركة «فتح» وأخرى محسوبة على إسلاميين «متشددين» فترة أطول من المرات الماضية، وقد كان سبقها إعلان اللواء منير المقدح، استقالته من قيادة القوة الأمنية المشتركة التي كانت مكلفة حفظ أمن المخيم. كذلك طاول رصاص القنص هذه المرة الطريق المحاذي للمخيم، الذي يصل مدينة صيدا بعمقها الجنوبي، ما أدى إلى قطع الطريق لبعض الوقت، حتى لا تتعرّض أرواح المارّة للخطر. ولم تتوقف الاشتباكات هذه المرّة بتلك السهولة واليسر إلا بعد انعقاد اجتماع في السفارة الفلسطينية في بيروت لكل الفصائل، والاتفاق على وقف النار، وتشكيل قوة أمنية جديدة تكون مهمتها حفظ الأمن والأخذ على أيدي المخلّين. وقد أكدت كل الفصائل رفع الغطاء عن أي مرتكب، وصولاً إلى مطالبة «عصبة الأنصار» والمطلوبين اللبنانيين الموجودين في المخيم بتسليم أنفسهم للدولة اللبنانية أو الخروج من المخيم، لأن هذه القضية تعرّض أمن المخيم واستقراره في كل مرّة للمزيد من الضغوط والاشكالات، إلا أن ذلك لا يعني بالطبع الاستجابة لهذا المطلب، فالمسألة أعقد من ذلك والتداخلات فيها أعمق مما هو منظور. 
في الأسباب غير الظاهرة لتلك الاشتباكات التي أرّقت المخيم والمحيط، ما يعود إلى أسباب داخلية تتصل بالساحة الفلسطينية. فالانقسامات داخل حركة فتح بادية للعيان وأعمق مما تراه العين، وربما كانت أكثر من ثنائية، ولعلّ أبرزها الخلاف المحتدم بين رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، والقيادي المفصول من فتح، محمد دحلان، والأخير يمتلك في المخيم رصيداً لا بأس به، على رأسه القيادي الفتحاوي المشهور في المخيم، محمود عيسى، المعروف بـ «اللينو». وقد تجلّت آخر فصول هذا الخلاف الفتحاوي في الموقف من سلاح المخيمات وإدارتها؛ ففي وقت لم يمانع القيادي الفتحاوي، عزّام الأحمد، دخول الجيش اللبناني إلى المخيمات وتجريدها تالياً من سلاحها، وتزامنت هذه التصريحات مع زيارة الرئيس محمود عباس، للبنان، رفض «اللينو» هذه التصريحات، ورفض تجريد المخيمات من سلاحها بهذه البساطة، واعتبر ذلك تخلياً عن القضية. كذلك رفض هذه التصريحات الناطق باسم «عصبة الانصار» أبو شريف عقل، الذي قال إن مطالبة الفلسطينيين بتسليم سلاحهم يفتح الباب لمطالبة حزب الله بتسليم سلاحه أيضاً في إشارة منه إلى ارتباط الملفين ببعضهما. 
كذلك إن زيارة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، للبنان، وتجاهل المخيمات وعدم زيارة أي منها، وحتى عدم الالتفات إلى معاناة أهلها، شكّل استفزازاً لبعض الفصائل الفلسطينية دفع إلى اندلاع هذه الاشتباكات للفت النظر إليها، بل ربما للتخريب على زيارة عباس التي لم يعرف حقيقة هدفها. 
وإضافة إلى هذه وتلك، يأتي الحديث الفلسطيني على إجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية فقط، وتجاهل فلسطينيي الخارج من أية انتخابات تشريعية، أو تشكيل جديد للمجلس الوطني، أو أي حق يتمتع به فلسطينيو الضفة، وقد تكون هذه الاشتباكات جاءت لتلفت النظر أيضاً إلى الوجود الفلسطيني في لبنان وفي بقية دول العالم، وحقهم في أن يكونوا جزءاً أصيلاً في تقرير مصير الشعب الفلسطيني. 
أما على المستوى الخارجي، فإن محاولات تصفية القضية الفلسطينية مستمرة ولم تتوقف، ولعل محاولة تصفية مخيم عين الحلوة تشكل نقطة تحوّل ليست بسيطة في تصفية حق العودة من جهة، والقضية برمتها من جهة ثانية، ولذلك لم تنفك المحاولات تتجدد بأشكال مختلفة لتصفية المخيم المعروف أنه «عاصمة الشتات الفلسطيني». 
إن الاشتباكات الأخيرة تأتي في سياق الاشتباكات التي تحصل كل مرّة، والتي تشكّل جزءاً من حالة الاستنزاف العام للمخيم وأهله، حتى تصل الأمور فيه إلى حالة من الفوضى العارمة التي تهدد برحيل أهله عنه فراراً بأنفسهم من جحيمه، ويسهم في ذلك سياسة الدولة اللبنانية التي تحاصر المخيم من كل الجهات، وتعمل على التضييق على أهله بطرق ناعمة ومتعددة، وقد كان آخرها محاولات بناء الجدار الإسمنتي العازل، وللمناسبة فإن العمل فيه لم يتوقف على الرغم من التعهد اللبناني بوقفه، كما يدخل ضمن هذه المحاولات شيطنة أبناء المخيم، وإلصاق كل تهم الفوضى و«الارهاب» بهم، وقد حذّر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط، من هذه السياسة، ومن تحويل المخيم إلى «موصل» جديدة، في إشارة إلى مدينة الموصل العراقية. 
كذلك فإنه يأتي من ضمن الأسباب الخارجية قلق العمق الجنوبي من وجود مخيم عين الحلوة عند عنق بوابته الشمالية، خاصة في زمن التوتر المذهبي والطائفي الذي يغزو كل المنطقة، وقد بدأت تلوح في أفق الناس، في المخيم وخارجه، هواجس من مسؤولية معيّنة لبعض الأطراف اللبنانية المعنيّة بالشأن الجنوبي عمّا يلحق بالمخيم من أذى وما يعيشه من توتر. 
الملاحظ من خلال الجولة الأخيرة للاشتباكات ومن خلال وقف إطلاق النار الذي حصل, أن التوجّه عند القلقين من المخيم، أو عند المعنيين بإبقاء التوتر فيه على خلفيات مصلحية خاصة، أن هذه الجولة لن تكون الأخيرة، وأن الهدوء النسبي الذي ينعم به المخيم سيظل يُخرق بين الفينة والأخرى بانتظار حل جذري لا يبدو أنه سيكون قريباً