العدد 1432 / 14-10-2020

عاد رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري، يوم الإثنين، إلى قصر بعبدا، مقرّ الرئاسة اللبنانية، حيث التقى الرئيس ميشال عون ، في موعدٍ حُدِّد في اتصال هاتفي جمعهما، مساء أمس الأحد، إنفاذاً لمبادرته بالقيام بجولة اتصالات ولقاءات مع كلّ الأفرقاء السياسيين لمعرفة ثبات موقفهم وموافقتهم على الورقة الإصلاحية الفرنسية، وذلك بعد "مقاطعة" طويلة نسبياً خرقها في 31 آب الماضي، لتكليف السفير اللبناني لدى ألمانيا مصطفى أديب تشكيل الحكومة.

والتقى الحريري، الذي وضع رؤساء الحكومة السابقين (تمام سلام، نجيب ميقاتي، فؤاد السنيورة)، وأعضاء "كتلة المستقبل النيابية"، بصورة مبادرته وجولاته على القوى السياسية، اليوم أيضاً، رئيس البرلمان نبيه بري، في عين التينة، بعد اتصال جمع الرجلين يوم الأحد، أفضى إلى الاتفاق على لقاءٍ الإثنين، للبحث في المبادرة الفرنسية والملف الحكومي، تليه لقاءات أخرى مع عددٍ من الأفرقاء السياسيين، قبيل موعد الاستشارات النيابية الملزمة التي دعا إليها الرئيس عون في 15 تشرين الأول الجاري.

وقال مصدرٌ في "تيار المستقبل"، إنّ موقف الحريري النهائي يتخذه تبعاً لنتائج المشاورات، وخصوصاً بين الرئيسين عون وبري، وهو تحدث عن أنه مرشح طبيعي لرئاسة الحكومة، نظراً لما يمثله في الطائفة السنية وحجم كتلته النيابية وعلاقاته العربية والدولية، وحرصاً منه على إعادة إحياء المبادرة الفرنسية، مضيفا أنه "يقدم المبادرات الواحدة تلوَ الأخرى كما فعلَ يوم تكليف الرئيس مصطفى أديب لمعرفته دقة المرحلة وخطورتها".

وشدد المصدر على أنّ الحريري "لن يتراجع عن مواقفه السابقة، خصوصاً لناحية تشكيل حكومة من أصحاب الكفاءة والاختصاص، غير مستفزّين للشارع اللبناني، قادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة فرنسياً، ودولياً، باعتبارها السبيل الوحيد والأسرع لإعادة إعمار بيروت وإنهاض لبنان اقتصادياً ونقدياً"، مشيرا إلى أنه "توقّف في مقابلته التلفزيونية الأخيرة بوضوح عند حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن "تجميد الخلافات السياسية لمدة ستة أشهر فقط بهدف إيقاف انهيار البلد"، وهذا هو همّه الوحيد، وهو لن يضع أي مطالب لنفسه أو كتلته النيابية".

وفي وقتٍ لا تزال معظم مواقف القوى السياسية غامضة تجاه شروط عودة الحريري، رغم ترحيبها بمبادرة رئيس "تيار المستقبل"، فإن طرفَي "الثنائي الشيعي" (أي "حزب الله" و"حركة أمل" التي يتزعمها بري)، كانا يؤكدان في كل مناسبة، بحسب مصادرهما التمسّك بالمطالب نفسها التي حملها كل منهما إلى الرئيس "المُعتذِر" مصطفى أديب، لناحية تسمية وزراء الطائفة الشيعية، وحتماً وزارة المال، وبالتالي فهما لن يقبلا أن يُسميَّ الحريري أيا منهم، رغم أنهما يؤيدان توليه رئاسة الحكومة الجديدة.

وعلى صعيد "الحلفاء" الذين تربطهم بالحريري علاقة "متوترة" نوعاً ما، نظراً للمواقف التي أطلقها الأخير تجاههم، يؤكد مصدر في "الحزب التقدمي الاشتراكي" أنّ نواب "اللقاء الديمقراطي" الذين يمثّلون الحزب في البرلمان قد يسمّون الحريري، وهم دائماً كانوا داعمين لعودته، لكنهم لن يعلنوا عن قرارهم الأخير والنهائي إلّا في يوم الاستشارات النيابية الملزمة، وبناءً على المشاورات التي سيجريها الحريري معهم. علماً أنّ جنبلاط كانت له جولة باريسية في منتصف شهر سبتمبر/أيلول، استطلع خلالها المواقف الفرنسية من مبادرة ماكرون وتركيبة لبنان السياسية الطائفية، وسُبل إنقاذ البلد.

أما "حزب القوات اللبنانية"، الذي سافر رئيسه سمير جعجع إلى باريس لأسباب "خاصة"، فلن يعلن موقفه الآن، علماً أنّه يعارض فكرة عودة الحريري، وليس متفائلاً بولادة الحكومة بوقتٍ قريبٍ، وقد عبّر عن ذلك في أكثر من مناسبة واستحقاق، ولم يلتزم مع الكتل النيابية الكبرى بتسمية مصطفى أديب، بل فضّل تسمية شخصية مستقلّة تماماً، وهي السفير نواف سلام.

ويعتبر "القوات" تبعاً لأوساطه، أنّ عودة الحريري ستشمل عودة الطاقم السياسي نفسه، بوجوه مقنّعة، كمثل حكومة حسان دياب، التي أظهرت سريعاً انتماء وزرائها إلى أحزاب سياسية، ولا سيما "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل، و"الثنائي الشيعي" و"تيار المردة" الذي يرأسه سليمان فرنجية.

وعلى صعيد "تكتل لبنان القوي" برئاسة باسيل، الذي غاب قليلاً عن المشهد السياسي بداعي الإصابة بفيروس كورونا، ما رُبط بتوقيت دعوة الرئيس عون للاستشارات النيابية الملزمة، فإنّ باسيل لم يُصدر بعد موقفاً رسمياً من مبادرة الحريري، باستثناء أجواء إيجابية نقلتها مصادر تكتله، ويفضّل تركه للمشاورات التي ستجري، والتي تشمل لقاءه الحريري، في خطوة تعود بعد صراع كبير بين الرجلين، وخصوصاً من جانب الحريري، الذي كان أعلن سقوط التسوية السياسية التي أوصلت عون إلى سدّة الرئاسة، واصفاً باسيل بـ"الرئيس الظل"، ما استدعى يومها الرد من باسيل عليه: "رحت بعيد بس رح ترجع، الفرق انو طريق الرجعة رح تكون أطول وأصعب عليك".

ويبقى الموقف الفرنسي من مبادرة الحريري، في ظلّ التناقضات الكثيرة التي أظهرها ماكرون في مؤتمره الصحافي الأخير، عقب اعتذار أديب عن مهمة تشكيل الحكومة، بين الترحيب بمبادرة الحريري الأولى منح وزارة المالية للثنائي الشيعي، شرط تسمية من سيتولاها من قبل أديب، ومن ثم إطلاق النار عليها، وكذلك حيال موقفه من "حزب الله" و"حركة أمل"، متهماً الحزبين باستغلال فائض القوة لفرض شروطهما، والتصويب على جناح "حزب الله" العسكري، مقابل الاعتراف بموقعه السياسي الممثل نيابياً، والأجواء كلّها تشي بأنّ المبادرة الفرنسية قد تكون معدّلة بهدف تسهيل تشكيل الحكومة، في حين، تُنتظر أيضاً، ردّة فعل الشارع اللبناني من عودة الحريري، قبيل أيام من ذكرى مرور سنة على انطلاقة انتفاضة 17 تشرين الأول، التي أسقطت حكومة الحريري، والتي بدأت مجموعات مدنية تحضّر لعودتها إلى الساحات يوم السبت المقبل.