العدد 1380 / 2-10-2019
الدكتور وائل نجم

د. وائل نجم

الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلد باتت شبه مستعصية على الحل في ظلّ السياسات المتّبعة من الطبقة السياسية الحاكمة، وليس من الحكومة وحدها، إذ من الظلم القول إن الحكومة، بالمعنى المتعارف عليه في دول العالم ( أي التي تحكم فعلاً)، مسؤولة وحدها عن الوضع المهدد بالانهيار الكامل والشامل، وفي داخلها حكومات، بل كل وزارة فيها هي عبارة عن حكومة بحد ذاتها، فضلاً عن أن القوى المهيمنة على البلد بأكثر من صيغة، سواء كانت سياسية أو نيابية أو عسكرية أو غيرها، تفعل فعلها داخل الحكومة وخارجها لتأمين مصالحها الخاصة، فتعطّل حيناً، وتعرقل حيناً آخر، وتشلّ البلد حيناً ثالثاً وثم بعد كل ذلك يأتي من يقول إن الحكومة تتحمّل المسؤولية عن الوضع المتردّي، والحكومة هنا في لبنان تعني بشكل أساسي رئيسها، وليس مكوّناتها مجتمعة، علماً أن الدستور اللبناني وفي وثيقة الوفاق الوطني (الطائف) أناط الحكم بالحكومة مجتمعة وليس برئيسها أو أي وزير منها. لذا اقول بصراحة إن الحديث عن فشل تتحمّل مسؤوليته الحكومة فيه غبن وظلم، بل الأصح أن الفشل والتردّي وسوء الوضع تتحمّل مسؤوليته كل الطبقة السياسية المشاركة بالحكم والحكومة، بدءاً من رئيس الجمهورية وصولاً إلى أصغر كتلة نيابية مشاركة في السلطة، وليس في هذه الحكومة والسلطة اليوم فحسب، بل تلك التي كانت مشاركة عبر السنوات العقود الماضية، وبنسب أيضاً حتى نكون منصفين، وكي لا نغبن أحداً حقّه.

خلال الأيام الماضية، ومع الأزمة التي استجدّت في معركة الليرة والدولار، جرى تسريب كلام منسوب لرئاسة الجمهورية بأن حلّ الأزمة يكون عبر رحيل واستقالة الحكومة. ثم بعد ذلك جرى نفي هذا الكلام عبر رئاسة الجمهورية، في مقابل التأكيد على بقاء الحكومة. فهل الحديث عن الاستقالة يأتي في إطار العمل الجدّي لإبعاد الرئيس الحريري عن الحكومة، ومن ثم الإتيان بشخصية أخرى؟ أم ترى هو من قبل "اللعب" و "الحرتقات" اللبنانية التي لا تنتهي فصولاً؟

من الواضح أن هناك اشتباكاً غير معلن بين أطراف الحكم في لبنان، بل هناك شد حبال بينهم على خلفيات كثيرة ومتعددة. والبعض يضع ما جرى خلال الأيام الماضية، وفي ظل سفر رئيس الجمهورية الى نيويورك لتمثيل لبنان في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومعركة الليرة والدولار في تلك الفترة بالذات، يضعه في إطار المعركة غير المعلنة بين تلك الأطراف، والتي يقف فيها رئيس الحكومة سعد الحريري، وحاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، مع آخرين في جانب، ويقف رئيس الجمهورية مع آخرين في جانب آخر، والتي تأخذ في مكان بعداً يتصل بالأوضاع على مستوى تحدّيات المنطقة، والعقوبات التي تُفرض أو السياسات التي تُتبع، والتي يتخندق فيها كل طرف في مكان غير معلن وفي ظنّه أن مصلحة لبنان حيث يتخندق.

لقد ردّ رئيس الجمهورية على سؤال أثناء عودته من نيويورك حول الوضع الاقتصادي وأزمة الليرة أمام الدولار نافياً علمه بما جرى، وملقياً بتبعات المسؤولية على كل من حاكم مصرف لبنان من جهة ووزير المال من جهة ثانية، وواعداً بمتابعة الموضوع واتخاذ ما يلزم من تدابير حيال ما جرى. وقد عكس هذا جوّاً من العلاقة المشوبة بالشك بين الأطراف، وتزامن ذلك مع حديث غير علني ورسمي عن محاولة لتغيير الحاكم رياض سلامة، ما دفع البطريرك بشارة الراعي للتدخل والدفاع عنه، وكذلك عن أن الحلّ هو برحيل الحكومة، ومن ثم بعد ذلك النفي.

لا يبدو أن الحديث عن استقالة الحكومة أو رحيلها حديث عابر، إنما يحمل دلالات أو ربما هو محاولة لجّس النبض قبل القيام بأية خطوات، إلا أنه من الواضح أن كلفة هذا الموضوع في ظل الظروف التي تعيشها المنطقة ليست سهلة على الإطلاق، لكنها قد تكون متاحة وممكنة فيما لو ذهبت الأمور باتجاه الحلول والتسويات بين الأطرف المتصارعة والمؤثرة في بلدنا.

ويبقى الحل الحقيقي لكل هذا الجدل والسجال والشك والأزمات المتراكمة والمركبة في اعتماد الدستور وعدم تجاوز الصلاحيات والخروج من منطق المحاصصة والمصالح الضيقة والفئوية والطائفية التي لن تبقي لنا من بلدنا شيئاً فيما لو استمرت على ما هي عليه.