وائل نجم - كاتب وباحث

 بات من شبه المؤكد أن جلسة الانتخاب الرقم 46 التي دعا إليها الرئيس نبيه برّي لانتخاب رئيس للجمهورية يوم الاثنين الواقع فيه 31 تشرين الأول الجاري ستعقد في وقتها بعد أن أعلنت الكتل النيابية التي كانت تقاطع الجلسات أنها ستشارك فيها، في ضوء إعلان رئيس «تيار المستقبل»، الرئيس سعد الحريري، دعم ترشيح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية. وقد كرّت سبحة المواقف بعد هذا الاعلان، فأكد الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في كلمة له يوم الاحد الماضي، أن كتلة الوفاء للمقاومة ستحضر جلسة الانتخاب، وأضاف: بل ستقترع أيضاً للنائب ميشال عون، ولزيادة الاطمئنان والثقة، أضاف: لو أن القانون يسمح بكشف أوراق الاقتراع لفعلنا ذلك. وبعده بيومين أكد «تكتل التغيير والاصلاح»، برئاسة النائب ميشال عون، أنه سيحضر الجلسة، وهما كانتا من الكتل التي كانت تقاطع جلسات الانتخاب على اعتبار أنها كانت ترى أن صاحب الحق الوحيد والحصري في ملء مقعد رئاسة الجمهورية، هو النائب ميشال عون، باعتباره صاحب أكبر وأوسع تمثيل مسيحي، وحيث إن الكتل النيابية الأخرى التي كانت ترفض انتخابه (عون) قد توصلت إلى قناعة بانتخابه، وحيث إن وصوله إلى سدة الرئاسة بات أمراً شبه محسوم من وجهة نظر هاتين الكتلتين، فقد اخذت هاتان الكتلتان (الوفاء للمقاومة، التغيير والاصلاح) قرارهما بالنزول إلى ساحة النجمة، وحضور جلسة الانتخاب المقررة يوم الاثنين الحادي والثلاثين من تشرين الأول.
وعلى مقلب الكتل النيابية، والقوى السياسية الأخرى التي تعارض وصول النائب ميشال عون إلى سدة الرئاسة، أكدت هذه الكتل حضورها جلسة الانتخاب، وفي طليعة هؤلاء الرئيس نبيه بري، الذي أكد حضوره وحضور كتلته (التنمية والتحرير)، فضلاً عن أنه كان صريحاً في إعلانه أنه لن يقترع لعون، بل للنائب سليمان فرنجية. كذلك أعلن فرنجية حضوره وكتلته جلسة الانتخاب، وكل الكتل الأخرى لم يعلن أي منها الغياب أو المقاطعة لغاية الآن.
إذاً، بناءً على هذه المواقف، فإن جلسة الانتخاب السادسة والأربعين ستنعقد بنصاب الثلثين الذي يقرّه الدستور، أو ربما أكثر من هذه النصاب، إلا أن ذلك لا يعني على الإطلاق أن انعقاد الجلسة يعني انتخاب الرئيس، أو انتخاب النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية، بل قد يكون هناك الكثير من المفاجآت التي أشار إليها النائب سليمان فرنجية في حديثه التلفزيوني مساء الاثنين الماضي.
أول هذه الاشكالات التي برزت في خلال الساعات الماضية، والتي تؤرق فريق النائب ميشال عون، هو اعتبار جلسة يوم الاثنين (31 تشرين الأول) جلسة انتخاب أولى، وبالتالي فإنها تحتاج إلى نصاب الثلثين لانعقادها، ويحتاج الفائز فيها إلى الحصول على أصوات أكثر من ثلثي عدد أصوات المجلس النيابي، أي على أكثر من 86 نائباً، وهو أمر متعذّر، سواء بالنسبة إلى النائب ميشال عون، أو بالنسبة إلى منافسه النائب سليمان فرنجية، بالنظر إلى التموضع الجديد للكتل بعد دعم الحريري ترشيح عون. وهنا لا بدّ من الاشارة إلى أن «تكتل التغيير والاصلاح» طالب باعتماد جلسة الاثنين جلسة ثانية، نظراً إلى انعقاد الجلسة الأولى قبل قرابة عامين ونصف، وبالتالي اعتبار المرشح الذي يحصل على 65 صوتاً فيها هو المرشح الفائز. إلا أن رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، رفض ذلك، وأكد اعتبارها جلسة أولى، وأضاف أنه إذا أصرّ «تكتل التغيير والإصلاح» على اعتبارها جلسة ثانية، فإنه سيدعو المجلس إلى تفسير المادة، وبالتالي بصورة من الصور تأجيل جلسة الانتخاب المقررة يوم الاثنين.
وإذا ما اعتبرنا أن هذه الاشكالية أخذت طريقها للحل، فهناك شكوك تحيط وتساور «تكتل التغيير والاصلاح»، إذ إن الذهاب إلى جلسة انتخاب ثانية بعد الأولى يوم الاثنين القادم، يعني أن كلاً من المرشحين يكون قد عرف المقدار الذي حصل عليه من أصوات النواب الحاضرين للجلسة في دورة الاقتراع الأولى، وهنا سيساور الشك النائب ميشال عون لجهة موقف الكتل النيابية، أو دعني أقول النواب كل على حدة، لناحية التصويت في الدورة أو الجلسة الثانية، وهنا يخشى عون أن تذهب الأمور في الدورة الثانية باتجاه التصويت لسليمان فرنجية حتى يحصل على أكثر من 65 صوتاً، أو قد يزداد عدد الاوراق البيضاء التي تحول دون حصول اي من المرشحين على 65 صوتاً في الجلسة الثانية، وهذا ما يعني عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وربما كان هذا هو السيناريو الاقرب للحصول يوم الاثنين، إذ إن النائب فرنجية والكتل الداعمة له لا تخوض اليوم معركة إنجاحه، بقدر ما تخوض معركة الحؤول دون وصول عون للرئاسة، هذا فضلاً عن أن عدداً كبيراً من أعضاء «كتلة المستقبل»، وكذلك «كتلة اللقاء الديمقراطي» لم ترتح لدعم ترشح عون، وبالتالي فإنها قد تجد فرصتها في الدورة الثانية أو الجلسة الثانية للتعبير عن قناعتها، وربما قناعة الجمهور الذي تمثله، بعدم انتخاب عون بعدما تكون قد أعطته صوتها في الدورة الأولى. وعليه، فإن جلسة الانتخاب يوم الاثنين القادم قد تحصل في زمانها ومكانها، ولكنها لن تعني قطعاً أنها ستنتخب رئيساً أو ستنتخب النائب ميشال عون رئيساً. القضية اليوم معقدة أكثر مما يتخيّل البعض، والعمل جار على قدم وساق لإقناع النواب الذين يقفون في المنطقة الرمادية، وأكثرهم من النواب المستقلين، وبعض نواب المستقبل، وبعض نواب «اللقاء الديمقراطي» بعدم التصويت لعون.
باختصار، يمكن القول إن نتائج جلسة الاثنين القادم غير مضمونة لأحد، والمفاجآت فعلاً قد تكون سيّدة الموقف، ولكن الشيء الأكيد الوحيد هو أن النائب اللبناني هذه المرّة يؤدي دوراً حقيقياً وجاداً، والمسؤولية ملقاة على عاتق كل واحد منهم لاتخاذ الموقف السليم الذي ينقذ لبنان من الهيمنة الأحادية التي يمارسها البعض.