العدد 1383 / 23-10-2019
الدكتور وائل نجم

الدكتور وائل نجم

منذ يوم الخميس الماضي تشهد ساحات ومدن لبنان انتفاضة شعبية كبيرة وواسعة، يشارك فيها هذه المرّة، كل اللبنانيين على اختلاف تنوّعهم , حيث تجاوز اللبنانيون الانقسام الطائفي والسياسي والمذهبي، ورفع سقف مطلبه إلى رحيل كل الطبقة السياسية المتحكمة بالبلد، بدءاً برئيس الجمهورية، مروراً بالحكومة، وصولاً إلى المجلس النيابي، وقد رفض المتظاهرون مشاركة القوى السياسية ورموزها بالتظاهرات، و طردوا، من حاول منهم الحضور، وسط المتظاهرين. كما وأنّ هناك مناطق لم تكن إلى وقت قريب معروفة بخروجها بتظاهرات ضد السلطة أو القوى السياسية، كما في مناطق الجنوب وبعلبك حيث مناطق النفوذ تابعة لحزب الله وحركة أمل، أو كما في بعض المناطق المسيحية حيث النفوذ للتيار الوطني الحر، أو كما في طرابلس حيث النفوذ لتيار المستقبل، قد خرجت تطالب برحيل كل الطبقة السياسية.

ويعود سبب هذه التظاهرات إلى اتخاذ الحكومة قرارات برفع الضرائب والرسوم على المواطنين، ومنها فرض ضريبة ستة دولارت على استخدام منصّات التواصل الاجتماعي، وخاصة "الواتساب"، وقد شكّلت هذه الخطوة "القشّة التي قصمت ظهر البعير" ، ودفعت الناس إلى التظاهر والمطالبة برفض الضرائب، ومن ثم التحوّل إلى المطالبة باستقالة الحكومة، ومن ثم بعد ذلك المطالبة برحيل العهد، أي رئيس الجمهورية، ليتحوّل الناس إلى مطلب واحد عند الجميع هو رحيل كل الطبقة السياسية بكل رموزها.

وبغض النظر عمّا يمكن أن تحققه هذه التظاهرات، أو النتائج التي يمكن أن تحصّلها، إلا أن الشيء الأبرز والمهم فيها أنها استطاعت أن توحّد كل اللبنانيين على اختلاف توجهاتهم على الرغم من انقسامهم، على مطلب واحد هو رحيل الطبقة السياسية، وهذا يؤكد أن الشعوب قادرة على صناعة مستقبلها، وتحديد دورها، على الرغم من انقسامها على مسائل عادية أو سياسات ترسمها الطبقة السياسية المتحكمة فيها.

اليوم تؤكد انتفاضة "الواتساب" أن الشعوب قادرة على صناعة مستقبلها على الرغم من كل العراقيل التي يتم وضعها أمامها. تؤكد هذه الانتفاضة أن كل العمل الذي جرى خلال العقود السابقة لتفريق اللبنانيين إلى شيع ومذاهب وفرق وأحزاب طائفية ومذهبية ومناطقية وغير ذلك، ذهب أدراج الرياح. وقد أثبتت هذه الانتفاضة أن الشعوب تعي دورها ومستقبلها، وترفض أن يتم استغلالها تحت العناوين الطائفية والمذهبية والسياسية وغيرها، وتكتشف ذلك ولو بعد حين، وتتحرك للتخلّص من هذا الواقع، وهذا ما حصل خلال اسبوع , حيث تجاوز اللبنانيون فعلاً الانقسام والتموضع الطائفي والمذهبي والسياسي واصطفوا جميعاً خلف مطلب التخلّص من هذه الطبقة التي لطالما كانت تصنع الهواجس للبنانيين وتخوّفهم من بعضهم البعض، وتستغل هواجسهم و"عداءهم" لبعضهم.

انتفاضة"الواتساب" وحدّت اللبنانيين ضد السلطة التي اعتبروها مسؤولة عن كل مشاكلهم وأزماتهم، والتي استغلتهم أبشع استغلال، وطرحوا جانباً خلافاتهم وانقساماتهم لأنهم أدركوا هو أن مستقبلهم في دولة ديمقراطية تكون محكومة لإرادة الشعب، ولسلطة تكون خادمة له، لكن التحدّي أن يحافظ اللبنانيون على هذه الوحدة قبل أن تغدر بهم السلطة الحاكمة وتعيدهم إلى المربع الأول، مربع الطائفية والمذهبية المقيت.