وائل نجم

ثلاثة عشر عاماً أمضيتها أكتب في مجلة الأمان. هي بالطبع ليست عمر «الأمان»، فـ«الأمان» أكبر من ذلك، وبداياتها وتاريخها يمتدان إلى منتصف القرن العشرين، وقد كان لها الدور الريادي والأساسي في التعبير عن وجهة نظر التيار الإسلامي وموقفه، ليس في لبنان فحسب، بل على امتداد ساحة وطننا العربي. كانت «الأمان» المجلة التي ينتظرها القرّاء والمثقفون والعلماء والطلاب وغيرهم ليتابعوا عبر صفحاتها الأخبار والأفكار والأسرار. يقرأون في السياسة، والفقه، والفكر، والتزكية. يتابعون الشأن الوطني، والعربي، والإسلامي. كانت فلسطين حاضرة على الدوام على صفحات الأمان، وكذلك شؤون العرب والمسلمين وشجونهم. 
ثلاثة عشر عاماً أمضيتها أكتب لـ «لأمان» في الشأن اللبناني. أفرّغ جزءاً من وقتي يوم الثلاثاء مساءً، أو الأربعاء صباحاً لأخط بقلمي رؤيتي وتحليلي للأخبار والمستجدات، وأرسلها إلى المجلة، ومن ثم بعد ذلك يتملّكني الانتظار حتى صباح الجمعة من كل أسبوع، موعد صدور النسخة الورقية ووصولها إلى المكتبات والقرّاء، حتى أستطلع صفحات المجلة الورقية، أجد فيها مقالي الأسبوعي أحياناً في صدر الصفحة الثالثة، وأحياناً أخرى إلى جانب مقالات زملائي الكتّاب الكرام في الصفحة الرابعة، وفي أحيان أخرى كان رئيس التحرير الأخ والأستاذ الفاضل، إبراهيم المصري (أبو عمر) يكرمني ويكلّفني كتابة كلمة «الأمان» التي تعبّر عن وجهة نظر المجلة، والتي تنشر في صدر الصفحة الثالثة، وغالباً ما كان عنوان مقالي يتصدر الصفحة الأولى من صفحات المجلة.
اعتباراً من الآن، سنفتقد النسخة الورقية في الأسواق والمكتبات، ولكننا لن نفتقد «الأمان»، ولن تغيب عن قرّائها. هي ثورة التكنولوجيا التي كادت أن تقلب حياة الناس رأساً على عقب، ما من أحد يستطيع أن يوقفها أو يحدّ من هجومها واتساع تأثيرها. لقد أصابت «الأمان» كما أصابت غيرها من قبل، وستصيب غيرها من بعد. لكن العزاء أن هذه الثورة قرّبت المسافات، وفتحت الآفاق، وسرّعت الزمن، وسهّلت العمل، فبات بالإمكان الجميع الإفادة من هذه الطاقة المتوافرة، وكل بحسب حاجاته وقدراته. 
«الأمان» لن تغيب لأنها ستظل منبراً ينبض بالطمأنية والأمان لكل أبناء المجتمع. سيظل موقعها الإلكتروني حاملاً لرسالتها، ومعبّراً عن توجهاتها، مستفيداً من هذه الثورة الهائلة في عالم الاتصال، مسخراً هذه الثورة لمصلحة الفكر النقي التقي النظيف، حتى يبقى الإنسان القيمة الكبرى في الحياة. ومعها سأكمل المشوار الذي بدأته معها. سأظلّ أستلّ قلمي كل مساء ثلاثاء أو صباح أربعاء لأكمل ما بدأته وكأن شيئاً لم يتغيّر، بل سأحاول أن أرفد هذا الموقع الذي يوحي بالثقة والطمأنينة بما يسهم في تعزيز مفهوم الأمان المجتمعي والفكري والسياسي، لأن «الأمان» ليست أوراقاً فقط، هي رسالة قيم لا تتوقف بتوقف النسخة الورقية، بل تنمو وتزدهر مستثمرة كل جديد في عالم الإعلام والصحافة. 
لن أقول وداعاً مجلة «الأمان» الورقية، بل سأقول لنفسي ولكل الذين تابعوا ويتابعون «الأمان» على مدى الأعوام والعقود الماضية، أقول للجميع إلى لقاء متجدد مع «الأمان» بحلتها الإلكترونية التي ستظل الصوت المستقل النظيف الوسطي في كل ما عرفناه.