العدد 1410 / 22-4-2020

بشير البكر

حتى يتوصل العلماء إلى لقاح ضد كورونا، سيظل الجدل قائما بين الصحة والاقتصاد. سيبقى الحفاظ على سلامة الناس أولويةً لا تقبل النقاش، وفي الوقت ذاته، سوف يزداد الضغط في اتجاه إعادة إطلاق عجلة الاقتصاد الذي بات متوقفا بنسبة 95% منذ حوالي منتصف الشهر الماضي (مارس/ آذار). وإزاء هذه المعادلة المعقدة، لا يبدو أن هناك لقاحا سوف يأتي بين عشية وضحاها، كي يعيد البشرية إلى حياتها الطبيعية قبل تفشّي كورونا خارج حدود الصين، وإعلانه وباء من منظمة الصحة العالمية في 11 مارس/ آذار الماضي. وحتى الآن، طرحت أكثر من جهة علمية عاملة على اكتشاف لقاح وإنتاجه ووضعه في متناول العالم مهلا تتراوح ما بين عام وعام ونصف العام.

وفي هذه الأثناء، يحتاج العالم، بقوة، أن يعود تدريجيا إلى وضعه الطبيعي، إلا أن الأمر لن يحصل بين عشيةٍ وضحاها، كما أنه لن ينتظر حتى يتم اكتشاف اللقاح وإنتاجه على نحو واسع. هناك حاجات ملحّة لا يمكن أن تنتظر اللقاح، ويتوقف على القيام بها استمرار حياة البشر مثل التغذية والأمن والصحة، والنقل العام، والمياه والكهرباء. وهذه المسائل تستهلك نحو 5% من طاقة أي دولة، وهي الخدمات المحرّكة للبلد. وعلى سبيل المثال، لا يمكن أن تقرّر دولة إعادة تشغيل المطارات أو فتح المدارس، من دون أن توفر الأمن والغذاء والدواء والكهرباء والماء .. إلخ. ولحسن الحظ، لم تتأثر هذه الأساسيات على غرار ما حصل في أزمات دولية كبرى، مثل الحروب العالمية، ولبت خلال الشهرين الأخيرين المطلوب منها في حدود جيدة، ما عدا قطاع الصحة، الذي تبين أنه مُهمل على المستوى الدولي، باستثناء بعض البلدان، مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية وسويسرا.

وإزاء هذا الوضع، تشكل العودة التدريجية المدروسة البديل للمعادلة التي راجت في عدة دول أوروبية وغير أوروبية حول التضحية بأرواح بعض الناس، من أجل استمرار دوران عجلة الاقتصاد بطاقة عالية. ومن هنا جاءت نظرية مناعة القطيع، والتي تبين تهافتها في بريطانيا بلد المنشأ، خصوصا أن الخلاصات الطبية عن فيروس كورونا لم تجزم بالمناعة بعد الشفاء من الإصابة، وهناك دراسات في كوريا الجنوبية تؤكد العكس. وبعد مرور ثلاثة أشهر من تفشّي الوباء خارج الصين، واستفحاله في أهم البلدان الغنية، كفرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا والولايات المتحدة، تقتضي العودة التدريجية وضع خطط مدروسة من كل دولة، وبين الدول مع بعضها بعضا، ضمن استراتيجيةٍ للحدّ من آثار الوباء إلى حين التوصل إلى لقاح، والبناء على الإنجازات التي حققتها سياسات الحجْر الصحي. وفي حين يبدو أن هذا الخيار لا بديل له، يحاول الرئيس الأميركي، ترامب، أن يقفز فوق الوقائع الصحية، ويعيد إطلاق عجلة الاقتصاد في ذروة الوباء. ومن شأن هذا التوجه أن يحوّل الولايات المتحدة إلى بؤرة كبيرة للفيروس، ويسقط التخطيط العقلاني الذي تعمل عليه أوساط طبية واقتصادية وسياسية في أوروبا.

لن يكون إيجاد معادلة متوازنة بين هذين الخيارين بالأمر السهل، ويحتاج قرارات دولية صارمة تقوم على التعاون، وتكثيف الجهود الدولية في مواجهة الوباء. ويمكن لمنظمة الصحة العالمية أن تنهض بهذه المهمة، بمساعدة الدول التي نجحت في كبح جماح الوباء، مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، والتي يمكن أن تشكل عونا كبيرا لبقية الدول، وخصوصا المتضرّرة، ولا يزال الوباء يتقدّم فيها مثل بريطانيا. ولكن التضامن الدولي في هذه اللحظة الحرجة من تاريخ الإنسانية لا يقتصر على مكافحة الوباء، بل على الآثار التي أصابت مئات الملايين من الذين أصبحوا بلا وظائف. وهؤلاء يحتاجون خطة إنقاذ موازية أيضا.