العدد 1372 / 31-7-2019

عبدالله النملي

صادق مجلس النواب المغربي يوم 22 تموز على مشروع القانون الإطار، المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، بعد تأجيل التصويت عليه مرات. وصوت بالموافقة 144 برلمانيا بالأغلبية على "فرنسة التعليم"، فيما صوّت بمعارضة المادة الثانية نائبان من فريق حزب العدالة والتنمية. وامتنع 118 برلمانيا منه ومن حزب الاستقلال عن التصويت، وغاب عن جلسة التصويت رئيس فريق "العدالة والتنمية"، إدريس الأزمي الإدريسي، بعد تقديم استقالته من موقعه هذا. وكشفت عملية التصويت فضيحة اتخاذ كل حزب طريقة معينة للحيلولة دون إسقاط مشروع القانون.

وقد أثارت المصادقة على القانون أزمة جديدة، في وقت كانت فيه الهيئات والفعاليات المدافعة عن اللغة العربية تسارع الخطى للضغط على الحكومة، من أجل تعريب التعليم العالي والحسم في اعتماد العربية لغة التدريس. ويحاول هذا المشروع غير الدستوري أن يفرض أحادية لغوية أجنبية، باعتباره انقلابا على الهوية المغربية ومبادئ الحركة الوطنية الداعية إلى تعريب التعليم والإدارة، كما شكل سخطا كبيرا في صفوف حُماة العربية، حيث شن نشطاء كثيرون في مواقع التواصل الاجتماعي حملاتٍ رفضا للقانون الإطار، معتبرين ذلك تخليا عن واحدٍ من مظاهر سيادة المغاربة القومية، وقبولهم طواعية بأن يحتفظوا لمستعمرهم وجلادهم أمس بواحد من مظاهر النفوذ والسيطرة والاستعمار.

وعبّرت المنظمة العربية للتعريب والتواصل، في بيان استنكاري، عن غضبها عقب المصادقة على مشروع القانون الإطار، واتهمت حزبي العدالة والتنمية والاستقلال بالانسحاب وعدم إبداء موقفهما، واصفة الأمر بأنه "تخاذل رخيص" تجاه قضية التعريب. واعتبرت المنظمة أن الحزبين انخرطا في "مؤامرة" على المبادئ التي قام عليها حزب علال الفاسي، من أسسها قضية التعريب. وطالبت المنظمة حزب الاستقلال بنزع صورة الفاسي من مقرّات الحزب وإعلان نهاية الارتباط بفكره، وحزب العدالة والتنمية بإعلان إنهاء كل علاقة له بقضية اللغة العربية والهوية الوطنية، والتوقف عن الحديث عن المرجعية الإسلامية.

ووصفت حركة التوحيد والإصلاح الذراع، الدعوي لحزب العدالة والتنمية، وقال بيان لها إنه "وقف على خطورة مآلات هذه الخطوة التي ترهن مستقبل التعليم ببلادنا بخيارات لا تنسجم مع دستور البلاد، ولا تتماشى مع متطلبات تعليم المستقبل". كما وقعت قرابة مائة شخصية من مثقفين وعلماء ومفكرين وإعلاميين مغاربة، بيانا يستنكرون فيه المصادقة على القانون الإطار واصفين تمريره بـ "المهزلة". واعتبر الموقعون أن تمرير هذا القانون يمثل "خرقا سافرا للمقتضيات الدستورية المتعلقة باللغتين الرسميتين، والتي ناضل من أجلهما السياسيون الوطنيون ورسخهما دستور 2011".

ودعت الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم (أماكن) في بيان لها للرد على "المغالطات التي يروجها المنادون بتدريس جميع المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية"، واعتبرت الجمعية ربط إصلاح التعليم بفرنسته "مغالطة"، موضحة أن "الدراسات العلمية تؤكد أن التدريس باللغات الوطنية هو السبيل الأمثل لتمكين المتعلمين من باقي المواد الدراسية، بل وحتى لاتقان اللغات الأجنبية، لاعتبارات بيداغوجية ونفسية". وترى الجمعية "أن تدريس المواد العلمية والتقنية بالفرنسية مشروع فاشل، ما دام أن المغرب لا يتوفر على أساتذة مؤهلين لتدريسها باللغة الفرنسية". واستدلت بتصريحٍ لمسؤول في وزارة التربية الوطنية قال فيه إن 76% من أصل أربعة آلاف مدرس للعلوم كونتهم الوزارة استباقا لقرار تدريس المواد العلمية والتقنية بالفرنسية يوجدون في المستوى الثالث(B1) من السلم الأوروبي للغات المكون من ستة مستويات، معتبرة أن "هذا المستوى لا يؤهل حتى للتواصل المقبول باللغة الفرنسية، فكيف يكون صاحبه قادرا على التدريس؟".

وتدل الدراسات الميدانية أن أصلح لغة للتعليم هي اللغة التي يفكر بها الطالب، فالمفاهيم العلمية إذا ألقيت على الدارسين باللغة التي يفكرون بها، نَفَذَت بيُسر إلى أعماق أذهانهم، وأمكنهم أن يُبدعوا من خلالها، علاوة عن أن القارئ أو السامع يستوعب مضمون نص عربي بزيادة مقدارها 16- 20%، أكثر مما يستوعب نصا بلغة أجنبية، مهما كانت درجة إتقانه لهذه اللغة. يقول محمد عابد الجابري: "اعتدنا سَماع عبارات تَحكم على مستوى التعليم بالتدنّي، أي بالتراجع إلى الوراء بالنسبة لما كان عليه الحال في فترة ما. مثل هذه الأحكام، ولو أنها صحيحة نسبيا، أحكام ليست بريئة دائما، هناك من يشتكي من انخفاض مستوى التعليم ليصل إلى النتيجة التي يريدها، وهي أن السبب هو التعريب، وبالتالي فالعلاج يكون في العُدول عن التعريب"، ويضيف: "بخصوص التعريب يجب الفصل بين شيئين: بين ما هو ثابت ومبدئي لا مجال فيه للمراجعة ولا للتراجع، وبين ما هو قابل للتغيير والتطوير. وأقصد بالثابت هذا كون اللغة العربية هي لغة المعرفة في المغرب. ليس هناك في أي مكان من العالم بلد يضع لغته موضوعا للمناقشة. اللغة هي الوعاء الذي تنصهر فيه الهوية ووحدة الوطن والمواطنة. ففي هذا الوعاء وبه تتحقق وحدة المشاعر ووحدة الفكر ووحدة الذاكرة ووحدة التطلعات، بدون هذا لن تكون هناك هوية ممتلئة وغنية، ولن تكون هناك جذور ولا ثقة بالنفس... هناك بالتأكيد من يرى ويلح على أن تدريس العلوم باللغة الفرنسية في مدارسنا الثانوية مسألة ضرورية تفرضها الظروف، وهذا قلب للأمور".

وليس من شك في أن مسؤوليتنا جميعا كبيرة في هذا الزمن الذي أضحت العربيّة فيه حبيسة بعض الخطب الدينية والسياسية وفي نشرات الأخبار، بتقاعس أهلها، وليس لعيب فيها، وأضحت غريبة أو تكاد، وغَدَت في مَسيس الحاجة إلى من يدفع عنها الهجمات التي تتعرّض لها. وقد حدث غير مرة أن غابت وسيلة التواصل بين الأقدمين والمتأخرين باندثار لغات الأولين. وفي أيامنا هذه، هناك عدة شواهد في المغرب تنذر بنتيجة مشابهة، قد تحل بلغة الضاد، فتمسي مجرد مادة للبحث على أجندة علماء الآثار.