العدد 1353 / 13-3-2019
ايمن مصري

بقلم : ايمن المصري

لقد مرّت حقبات سوداء على المرأة خلال العصور السابقة، كانت فيها أداة للمتعة أو مخلوقاً ملحقاً بالرجل، تعيش لخدمته وتنفيذ أوامره.. من العصر الجاهلي وصولاً إلى عصر الانحطاط.

وتزخر كتب التاريخ بكثير من القصص والأحداث التي تدهشنا حين نقرأ عنها، كوأد البنات أو التشاؤم منها، وقد تحدث القرآن الكريم عن نظرة المجتمع الجاهلي للأنثى ﴿وإذا بُشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسودّاً وهو كظيم﴾ .

والإنصاف يقتضي منّا الاعتراف بأن بعض عهود التاريخ الإسلامي ظلمت المرأة، انطلاقاً من فهم خاطئ لنصوص دينية، فحُرمت المرأة من الخروج من المنزل، ومن التعلّم، والتعبير عن الرأي، ناهيك عن المشاركة في العمل العام.

العلّة يا سادة تكمن في أن أدبياتنا الحزبية حول المرأة تأثرت بصور نمطية صاغتها شخصيات وهيئات تحمل نزعة نسوية في مجتمعاتنا العامة.

ولقد شكّل العصر الحديث نقلة نوعيّة للمرأة، لاسيما المسلمة، فاستردّت حقوقاً كانت محرومة منها، وأنصفها العلماء بعد تصويب بعض المفاهيم المتعلقة بدور المرأة في المجتمع وعلاقتها مع الرجل، وحقوق كل منهما.

لكن.. الموضوعية التي تفرض علينا الاعتراف بالإجحاف الذي تعرضت له المرأة سابقاً ونسعى لإنصافها، هذه الموضوعية نفسها تدفعنا لتسجيل علامات استفهام حول سياسة الضغط المعنوي الذي يمارَس على الرجل لمنعه من مناقشة عناوين تتعلق بالمرأة وحقوقها، حيث تكون تهمة الذكورية جاهزة.. ما يجعل الرجل متهيّباً خائفاً من نظرة المجتمع له، فيسكت، ليس قناعة ولكن طلباً للسلامة من تلك التهمة المعيبة، وكي يظهر أمام الآخرين بصورة المنفتح المتحضّر "غير الذكوري" أو "غير المتخلف".. لكنه في قرارة نفسه، وفي سلوكه في بيته يمارس سلوكاً مختلفاً.

وكم سمعنا من زوجة شكت وتذمّرت من مخالفة سلوك زوجها لما ينادي به في العلن، عن سلطة المرأة وحرّيتها ودورها.

ولم تسلم الحركات الإسلامية في عالمنا العربي –باستثناء تونس– من هذه الازدواجية، حيث تجد في أدبياتها كلاماً جميلاً عن موقع المرأة: "قوامة الرجل محصورة في مسائل المشاركة الزوجية، ومن حقها ممارسة العمل السياسي والمشاركة في الانتخابات على كل المستويات ضمن الضوابط الشرعية، انتخاباً وترشحاً". لكننا إذا نزلنا إلى التطبيق داخل تلك الحركات والأحزاب، نجد مشهداً مختلفاً، حيث ما زالت سلطة الوصاية للرجل على المرأة قائمة، ولا ثقة للرجل بأداء المرأة دون إشراف منه..

دعونا نؤكد أمراً، هذا الواقع ليس منحصراً بالساحات الإسلامية فقط، بل ينسحب على التجمّعات والأحزاب بمختلف توجهاتها الإسلامية والمسيحية وحتى العلمانية.. هذا الواقع المتمثل في عدم تطابق الشعارات والرؤى مع الواقع، ما دفع المرأة إلى ابتداع صيغة "الكوتا" النسائية في المواقع القيادية، لضمان حصة لها، سواء في البرلمانات أو المواقع القيادية الحزبية، ولأنها تجد بوناً شاسعاً بين شعارات الأحزاب وتطبيقها على أرض الواقع.

إذا كان هذا الواقع لا يرتبط بمنطلقات دينية أو سياسية، بل هو عام.. فأين المشكلة إذن؟ العلّة تكمن في أن أدبياتنا الحزبية حول المرأة تأثرت بصور نمطية صاغتها شخصيات وهيئات تحمل نزعة نسوية في مجتمعاتنا العامة، لأسباب ما.. وأحياناً هي غير نسوية، تطرح هذه العناوين لأغراض انتخابية..

ولابدّ لنا من أن نعترف: لقد نجحت تلك الجهات النسوية في صناعة رأي عام ضاغط، جعل بعض العناوين تقترب للمسلّمات، غير قابلة للنقاش أو البحث فيها.. والويل لمن يجرؤ على مسّها أو نقاشها.

نقطة نظام. أنا لست أدعو إلى منع المرأة من الخروج من المنزل، ولا من ترشحها للانتخابات النيابية، ولا أنادي بعودة المرأة إلى عصور الانحطاط، التي كان جل همّها إرضاء زوجها ولسانها لا ينفك يردّ "أمرك سيد راسي.. حاضر ابن عمي".

إن تهمة الذكورية جاهزة لأيّ رجل متجرئ على نقاش أمر يمسّ الذات النسوية في أوساطنا الثقافية أو الاجتماعية العامة.

فلتشارك المرأة الرجل في سوق العمل، ولتترشح للانتخابات، ولتدرس وتعلّم وتتقدّم الساحات.. لكن، لا تحجروا علينا عقولنا، ولا تمارسوا الإرهاب المعنوي علينا إذا أردنا نقاش أمر يتعلق بحقوق المرأة.

هل يعقل أن لا يتجرأ أيّ منا على طرح نقاش سلبيات وإيجابيات ترشّح المرأة للانتخابات النيابية مثلاً؟ مجرد نقاش، وليس رفض الفكرة.

هل تجرؤ مؤسسة أو جمعية أن تنظم ندوة حول الانعكاسات السلبية لمنافسة المرأة للرجل سوق العمل؟ إن تهمة الذكورية جاهزة لأيّ رجل متجرئ على نقاش أمر يمسّ الذات النسوية في أوساطنا الثقافية أو الاجتماعية العامة، فيما لا نسمع أيّ وصف أو اتهام لامرأة تدعو إلى سلب الرجل حقوقاً أو دوراً طبيعياً له.

هي دعوة للرجل أن يتحرّر من رهاب تهمة الذكورية، وأن يفتح نقاشاً جدّياً موضوعياً في عناوين تتعلق بمشاركة المرأة في العمل العام، وسوق العمل، وقيادة الأحزاب، والعمل السياسي.. ليس لرفض أيّ عنوان من هذه العناوين، بل لحسن التوجيه وصياغة ضوابط تحقق مصلحة المجتمع في مشاركة المرأة، دون الإضرار بمصالح أخرى معنيّة بها المرأة والرجل معاً.