العدد 1395 / 15-1-2020

محمد ثابت

توفيت، في 21 من كانون الأول الماضي، مريم سالم، أول معتقلة سياسية في سجون النظام في مصر. ووسط صمت مقاومي الانقلاب، وأيضًا أعضاء حزب النور (السلفي) المصري المتخاذلين أيام الانقلاب، المُتمسكين بسفاسف الأمور أيام الرئيس الراحل محمد مرسي.

بدم بارد، حرص الانقلابيون على استنزاف آلام الراحلة مريم البالغة 32 عامًا ومرضها فحسب، وفي محبسها في سجن القناطر، شمالي القاهرة، لفظت أنفاسها إثر تليّف كبدها وارتفاع نسبة الصفراء لديها، وفي النهاية استسقاء في البطن. ولا يعرف كل مخلص شريف على ماذا يمكنه أن يأسى في قصة استشهاد مريم؟ أو يوفر بعضًا من الأسى لأخريات من السجينات؟

كانت مريم أمًا لرضيع اسمه عبد الرحمن، تم اعتقاله معها، حتى إذا بلغ عامين، ووصل إلى مرحلة الفطام، فصله الظالمون عنها، وأودعوه دارًا للأيتام، ترى كيف سينشأ عبد الرحمن؟ وأي آلامٍ سيحتويها جسده الضئيل ونفسه التي ستتسع لتشمل كراهية للفاجرين لا حدود لها؟ وماذا عن جيل، بل أجيال لاحقة، يحرص عبد الفتاح السيسي على ادّخارها للمستقبل بآلام لا يطيقها إنسان؛ خصوصا أبناء الشهداء والمسجونين والمطاردين ممن يعانون المأساة وشظف العيش البالغ؟

الأدهى والأكثر مرارة اليوم فإن عدد السجينات المرشحات للموت في سجون السيسي مرشح للازدياد (لا قدر الله)، فالإشاعات زادت أخيرا بشأن وفاة عائشة خيرت الشاطر، ابنة نائب مرشد عام الإخوان المسلمين، السجين هو الآخر. وعلى الرغم من نفي أهلها وفاتها، إلا أنهم أكّدوا أن حالتها الصحية حرجة. بالإضافة إلى سجن علا يوسف القرضاوي، الانفرادي، أكثر من عامين، وظهورها في المحكمة في حالة نفسية وجسمانية متردّية شبه منهارة. بالإضافة إلى سامية شنن، ذات الستين عامًا، معتقلة قرية كرداسة التي تعد من أولى النساء المحتجزات في سجون السيسي؛ إذ تم اتهامها بالهجوم على قسم شرطة القرية في 13 من أيلول 2013، وتم ضم أبنائها للاتهام، وخُفّفَ الحكم عنها من الإعدام إلى المؤبد. تلكم الأسماء غير المختفيات قسريًا، فلا هن أحياء ولا أموات، مثل زوجة عمر رفاعي سرور التي تسلمتها سلطات الانقلاب مع أبنائها فاطمة وعائشة وعبد الرحمن في 2018، ولا يعرف شيء عن مصيرهم جميعًا، بمن فيهم الابن الأخير الرضيع، وكبرى البنات ذات الأربع سنوات فقط.

أين الإعداد من جانب الشرفاء الذين يُرجى الخير منهم للتغلب على مآسي وصعاب المرحلة الراهنة الحالية التي تعد الأخطر والأقسى في تاريخ مصر الحديث والمعاصر (على الأقل)؟.

وأين بقية الثوار من مراكز احتجاز معلنة عددها 382 في عموم مصر؟ بالإضافة إلى سجون سرّية غير معلوم عددها ولا مكانها، وفق تقرير للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان؛ فإذا أضفنا لذلك أنه منذ 3 من تموز 2013، لا يوجد عدد دقيق للضحايا الأموات في السجون وأماكن الاحتجاز. ويوضح العدد المتاح تقريبيًا عمق المأساة التي يحياها مقاومو السيسي، إذ إنهم حتى لا يعرفون عدد شهداء قضيتهم في السجون، ولا حتى في خارجها ممن لقوا الله نتيجة الاستهداف المباشر، أو الإصابة، فضلًا عن أنهم لا يسعون إلى إنهاء الكارثة التي تستنزف أعز ما في قدرات مصر: الكوادر البشرية.

هل يفيق محبّو مصر في داخلها وخارجها قبل فوات الأوان، أو حتى استشهاد امرأة أخرى أو رجل آخر.. لينفض محبو مصر عنهم غبار وتراب مرارة أحداث ست سنوات ونصف السنة عجاف هزال من الضعف والخور والانقسام والتخوين والحرص على المصالح الخاصة، ويسلكوا طريقًا آخر مغاير فيه نفع لمصر والأمة؟