نزيه الأحدب

على الموضة تتبنى مارين لوبان المرشحة الرئاسية الفرنسية ورئيسة حزب  الجبهة الوطنية، التنظيم اليميني المتشدد، شعارات مناهضة للإسلام في حملتها الإنتخابية، عبر الخلط بينه وبين الإرهاب. فبناء المساجد في أوروبا في رؤيتها «تهديد واضح لأمننا القومي»، وحجاب المسلمات محاولة تغيير في الثقافة الأوروبية، والترحيل يجب أن يشمل جميع المهاجرين من فرنسا. 
لوبان التي تجتهد لتقديم نفسها كشخصية استراتيجية تتعدى حدود جمهورية فرنسا وتناقش قضايا دولية، فشلت في اختراق قصور حكم القارة العجوز ولا سيما في الجارة ألمانيا، فأوصدت الأبواب في وجهها لأنها لا تحمل صفة رسمية من جهة، وتثير قلق التيارات التقليدية لجهة الأفكار العنصرية التي تطرحها والمخالفة للمواصفات الأوروبية، من جهة أخرى.
مارين هذه التي تستهدف بوضوح الناخبين العنصريين، تسعى إلى تقمّص دور سياسي نجومي وتنظيري لها في مكافحة الإرهاب، فوجدت ضالتها في لبنان، واختارت بيروت مسرحاً لاستعراضاتها الانتخابية والطائفية.. وهناك بدت كمحارب في الحملات الصليبية ضل طريقَه، فعرّج على بلاد الأرز التي فتحت لها منصاتها من خارج البروتوكول، فزارت القصر الجمهوري والتقت الرئيس ميشال عون. واختارت أيضاً مركز رئيس الحكومة سعد الحريري في السراي الكبير، ثم مركز وزير الخارجية جبران باسيل، لإبداء رأيها في سبل إخماد الإرهاب، معلنة أنها تفضل بقاء بشار الأسد في سدة الرئاسة السورية ليحارب تنظيم الدولة «داعش»، ما استدعى رداً عليها من قبل رئيس حزب القوات سمير جعجع الذي رفض التمييز بين الأسد و«داعش».
ثم اختتمت زيارتها لبنان باستعراض مكشوف على أبواب دار الفتوى، حيث رفضت وضع وشاح على رأسها لمقابلة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، رغم إبلاغها مسبقاً في أثناء حجز الموعد ببروتوكول الحجاب في دار الفتوى، فانسحبت بعد أن أدلت بتصريح مقتضب بدا وكأنه معدّ سلفاً، أعربت فيه عن رفضها الخضوع للأمر الواقع، وذكرت أن أعلى مرجعية سنية، وهي بحسبها مشيخة الأزهر، استقبلتها في القاهرة دون غطاء رأس.
أبرز التساؤلات والملاحظات التي يمكن تسجيلها بعد زوبعة لوبان في لبنان هي الآتية:
أولاً: لماذا استُقبِلت زعيمة التنظيم الفرنسي الأكثر تطرفاً في قصور لبنان الذي تكاد تكون المهمة الراهنة الوحيدة لطبقته السياسية، هي النأي بالبلاد عن موجات التطرف والإرهاب والطائفية التي تعصف بمحيطه؟
ثانياً: في الوقت الذي تُظهر فيه مارين لوبان بوضوح مشكلتها مع الإسلام، كان نصف برنامجها اللبناني مخصصاً للقاء المرجعيتين السنيتين الزمنية والروحية، برضى وترحيب كاملَين منهما، علماً أن الرئيس رفيق الحريري كما الرئيس الأسبق إميل لحود تهربا من لقاء والد مارين، جان ماري لوبان مؤسس الجبهة الوطنية وزعيمها قبل أن تطرده ابنته منها، عندما زار بيروت قبل سنوات. 
ثالثاً: كان موقف القيادات والمرجعيات الشيعية أكثر توفيقاً وراحةً من برنامج مارين، فلا لقاءات مع رئاسة المجلس الإسلامي الشعي الأعلى، ولا اجتماعات مع أيّ من نواب كتلة حزب الله، في وقت تردد فيه أن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان موجوداً في طهران سئل عن استعداده لاستقبالها فقال لتلحق بي إلى إيران. كذلك فندت جريدة الأخبار المقربة من حزب الله مساوئ زيارة لوبان.
رابعاً: لقد تولى الشيوعيون بشكل بارز تنظيم تحرك رمزي رافض لزيارة لوبان لبنان، في غياب تام للهيئات الإسلامية عن الساحة، وهم المعنيون قبل غيرهم في رفض الخلط بين الإرهاب والإسلام، وفي مقاومة العنصرية في التعامل مع المسلمين.
خامساً: لماذا أحاطت مارين نفسها بمجموعة من كوادر ميليشيوية سابقة في حزبي الكتائب والقوات اللبنانية من الذين هاجروا إلى فرنسا في بداية تسعينيات القرن الماضي، بعد سيطرة الجيش السوري على كامل لبنان. فبدت سيدة اليمين المتطرف كأنها تترأس غرفة عمليات اكتمل نصابها بوجود أحد مساعديها الفرنسيين معها وهو «تيبو دو لا توكناي» الذي أكدت مصادر إعلامية أنه قاتل على الأرض اللبنانية بين عامي 1982 و1984 في صفوف القوات اللبنانية.
سادساً: مارين لوبان التي تدّعي العلمانية، تحدثت عن ضرورة حماية مسيحيي الشرق من الإرهاب، ولم تتطرق إلى المقدسات المسيحية المحتلة في فلسطين، والاضطهاد الذي يعاني منه المسيحيون هناك، كما سائر الفلسطينيين على يد الاحتلال والإرهاب الإسرائليَين. 
ختاماً، لا أحد يعرف الولد أكثر من أبيه، وقد طالب جان ماري لوبان ابنته مارين قبل سنتين بعد تعليقها عضويته في الجبهة الوطنية التي أسسها، بالزواج بسرعة لكي تغير اسمها ولكي يرتاح ضميره، وقال للإذاعة الفرنسية:  أشعر بالعار والخجل لكون رئيسة الحزب تحمل اسمي، مؤكداً أن ابنته تتعامل معه بشكل غير لائق تماماً.. هذا فيما لبنان يفتح قصوره لمغضوبة والدها، في وقت يعاني فيه من فائض في الطائفية، والزبالة المتراكمة في مكباته وعلى الطرقات.