العدد 1415 / 3-6-2020

بشير البكر

يبدو أن فيروس كورونا في بعض البلدان العربية دخل طور التراجع، كما هو الحال في أوروبا التي استشرى فيها الوباء في النصف الثاني من آذار الماضي. ولذلك، قرّرت عدة دول عربية، في مطلع الأسبوع الحالي، أن تحذو حذو بلدان أوروبا، وبدأت بتخفيف إجراءات الإغلاق والحجْر الصحي. ويأمل المرء أن يكون قرار العودة التدريجية إلى الوضع السابق، في بعض الدول العربية، مستنداً إلى معطيات صحيحة، وخطوات محسوبة جيداً كي لا تأتي النتائج عكسية. ويمكن هنا الاقتداء بالخطوات الأوروبية التي جاءت مدروسةً إلى حد كبير، لجهة الإجراءات الاحترازية التي أعطت مفعولها في كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا، بوصف هذه الدول كانت الأكثر تعرّضاً للوباء. وكي تنجح الإجراءات في البلدان العربية، لا بد من شفافية عالية، لأن المسألة تتطلب إشراك الرأي العام في عزل الفيروس. والجدير بالذكر هنا، أن تجربة مواجهة الوباء لم تكن مرضيةً للمواطن العادي الذي ظل يشكك في أرقام الإصابات والوفيات التي صُرِّح عنها خلال الأزمة، واعتبرها مخفّفة، ولا تعبر عن واقع الحال، في غياب استراتيجيات وقائية، وضعف البنى التحتية الصحية في غالبية البلدان العربية.

وإذا كانت الأرقام التي أعلنتها الدول العربية قريبة من الواقع، فإن المنطقة العربية تكون قد نجت من الموجة الأولى من الوباء بأخف الأثمان، إلا أن الأمر لا يخلو من تلاعبٍ بالأرقام يصل إلى حد التحايل وإخفاء الحقائق في عدة دول عربية، وتحدثت الصحافة الغربية عن حالتي مصر والجزائر. ولا يقتصر التشكيك في الأرقام على العالم العربي، بل هو يعني العالم ككل، وصار ثابتاً أن الأرقام التي جرى تداولها في أوروبا هي التي خرجت من المشافي فقط، في حين أن هناك إصابات ووفيات لم يصل ضحاياها إلى المشافي. وبعيداً عن الاتهامات التي وجهتها أوساط غربية إلى الصين بعدم الشفافية والتكتم على الأرقام، تحدثت وسائل الإعلام الأوروبية عن وفيات كثيرة لم تُدرَج ضمن الأرقام الرسمية، وهناك دول أعلنت وفيات أقل من جاراتها الأوروبية، كما هو الحال في المانيا التي لم تصرِّح للإعلام عن أعداد الوفيات داخل بيوت العجزة، وهي أعداد كبيرة، ولا يمكن الاستهانة بها، وتتجاوز نسبة 50% من وفيات المشافي. ولن يطول الوقت حتى تُعلَن الحصيلة الفعلية لكورونا في أوروبا، لأن الحكومات مطالبةٌ بتقديم تقارير تفصيلية عن الوباء ريثما تسمح الأوضاع بذلك.

سواءٌ سُلِّط الضوء على نتائج وباء كورونا في العالم العربي، أو لم يُسَلَّط، فإنه يجب استخلاص الدروس من هذه التجربة الصعبة، خصوصاً لجهة إعادة النظر بالأنظمة الصحية التي تبيّن أنها غير مستعدّة لمواجهة حالات الطوارئ على المستوى العام، أي في حال حصول أوبئة أو جوائح طبيعية، كالزلازل والفيضانات، وهذا يستدعي تغييراً كاملا في الاستراتيجيات الصحية، وخصوصا من الدول القادرة على ذلك بإقامة أنظمة قائمة على الإنذار والاستجابة المبكرين. وهذا يستدعي تغييراً كاملاً في الخطط التنموية، والتعامل مع الصحة باعتبارها شأناً عاماً من شؤون سلامة المجتمعات وتحصين البلدان. ومثلما استثمرت دول كثيرة في المنطقة في العقدين الأخيرين في الرياضة والفنون والإعلام، فإنها مدعوّة اليوم إلى الاستثمار في القطاع الصحي، واعتباره أحد أركان الاستقرار والسلامة والنهضة العربية المنشودة. هذا الأمر سيكون ميدان سباق وتنافس دولي، ويمكن العالم العربي أن يخوض التحدّي بجدارة، إذا توافرت إرادة لإعادة الكفاءات العلمية العربية المهاجرة من الدول التي تمتلك ثروات كبيرة، ولديها طموح للبناء والتنمية الإنسانية المستقبلية والمستدامة، وهذا هو الدرس الأول والأخير من وباء كورونا.