محمد هنيد

بمناسبة الذكرى السابعة لثورة الحرية التونسية، تعود الأسئلة حثيثة من أجل حفظ المشهد التونسي في المخيلة والذاكرة مدخلاً لصيانته من التزييف ومن التعتيم بما هو فعل متواتر من أفعال الثورات المضادة والقوى المرتبطة بها لتشويه الثورات.
تسمح المسافة الفاصلة بين انفجار ربيع تونس يوم السابع عشر من شهر كانون الأول 2010 واللحظة الراهنة، بتبيين الكثير من التقاطعات ونقاط الارتكاز القادرة على إزاحة المعطيات الهامشية عن المشهد التونسي. لكن من الأساسي قبل البدء بتحديد مرتكزات الحدث من رسم ثلاث ملاحظات أساسية:
أولاً: لم يكن من الممكن قراءةُ المشهد التونسي خلال السنوات التالية للثورة مباشرة، بسبب تتابع الأحداث سريعاً بفعل الخاصية الانفجارية للحدث. فكثافة الغبار الذي تلا الانفجار النوعي الكبير وتتابع الرجات الارتدادية عربياً ودولياً في ما عرف بالربيع العربي لم تكن لتسمح بتحديد موضوعي دقيق لمختلَف الآليات التي حكمت الحركة الاجتماعية والسياسية التي عرفتها المنطقة، سواء في نشأتها أو في مسارها أو في مآلاتها.
ثانياً: إن طبيعة الحدث البركاني لم تكتمل بعدُ رغم إمكانية القول بأن الموجة الثورية الأولى قد خمدت بفعل مجموعة من العوامل الذاتية، أي تلك المتعلقة بالموجة الثورية نفسها، أو بفعل عوامل خارجية تتعلق أكثر بردود الأفعال على الموجة نفسها وخاصة ما اصطلح عليه في ما بعد بفعل الثورة المضادة أو آليات الدولة العميقة.
بناء عليه فإن قراءة هذا المقطع لا تسمح ولا تحتم بالضرورة سحب نتائجه على بقية الأحداث التي سبقته أو التي ستليه. آخر الملاحظات لا تنفصل عن سابقتها، ومفادها أن الحدث الثوري التونسي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينفصل في قراءته عن مجموع المعطيات الإقليمية، عربية كانت أو غير عربية، أو عن بقية المعطيات الدولية.
بل إن الصعوبة التحليلية الكبرى تكمن أساساً في القدرة على الفصل بين هذه المعطيات من ناحية، وتحديد مقدار تأثيرها ومساهمتها في تشكيل الحدث وتحديد خصائصه.
لا تتحدد الفواعل الإقليمية في الحالة التونسية بدول الجوار المباشرة فقط بما هي دول تتفاوت درجات تأثيرها في المشهد التونسي حسب طبيعة النظام السياسي الذي يحكمه، بل تتجاوز ذلك إلى المحيط الحضاري واللغوي والجغرافي الذي يحكم تونس بما هي جزء من محيطها العربي الإسلامي.
فإذا كان تأثير ليبيا في جنوب البلاد وشرقها، وتأثير الجزائر في غرب البلاد يعتبر أهم التأثيرات المباشرة بفعل التماس الجغرافي فإن تأثير باقي الدول العربية لا يقل فعالية وأثراً في المشهد التونسي وإن بشكل غير مباشر. 
إن سرعة تفاعل المشهدين التونسي والليبي في تحقيق الحركة الثورية جعل منهما مشهدين متلازمين رغم اختلاف طبيعة الموجة الثورية لكل منهما، إذ سرعان ما تسلحت الثورة الليبية بعد أن فرض النظام الليبي مبدأ الحسم العسكري.
يبقى المشهدان متلازمين أيضاً، رغم أن الموجة الثورية المصرية هي الأقرب في خصائصها من الموجة التونسية، سواء في زمانها أو في طبيعة وسائلها الإجرائية. 
هذا الإقرار يتأسس على عوامل تاريخية وجغرافية وبشرية، باعتبار الروابط العائلية المتينة التي تجمع سكان الجنوب التونسي عامة وخاصة جنوبه الشرقي بغرب ليبيا منذ قرون.}