العدد 1392 / 25-12-2019

سيف الدين عبد الفتاح

تأتي الأحداث لتحمل لنا أخبارا خطيرة لم يعتدها المصريون في وطنهم حتى في عهود عتاة المستبدين من العسكر. تبدو هذه الأخبار مع كارثيتها كاشفة لحالة الواقع الحقوقي في ملفه الأكثر سوادا وظلاما وظلما.

حقوق الإنسان في مصر كلمات موجعة وتقارير دامغة فاضحة تأتي من هنا وهناك، ومن منظمات حقوقية عالمية وغير حكومية عن كل الملفات الحقوقية، من القتل خارج إطار القانون ومن الاختطاف القسري والتصفية الجسدية، والاعتقال التعسفي والتعذيب، والقتل البطيء بالإهمال الطبي المتعمد، وتلفيق القضايا، والمطاردة، وانتهاك حقوق المعارضين والنشطاء السياسيين، ضمن خطة تربص واصطياد ممنهج ومنظم وضمن آليات أمنية لا تحترم القانون. وتساند الجهات الأمنية في ذلك جهات قضائية فضلا عن أجهزة النيابات العامة، بل الأجهزة الطبية التابعة لمستشفيات السجون.

يطول بنا المقام لو ظللنا نعدد هذه الملفات وتلك الأنواع من الانتهاكات للحقوق والحريات.

هذا النظام الفاشي لا سقف له في الانتهاكات وصنوفها، وما كان يُعد استثناء صار عملا متواترا وممنهجا ومنظما من تلك الجهات التي تمارس أقصى درجات وصنوف الانتهاكات، وتدافع عنها باعتبارها عملا قانونيا، وتتخفى في لبوس مكافحة الإرهاب الذي صار في أغلبه مصطنعا بعد أن كان محتملا.

ومن تلك العلامات , ما يمارسه هذا النظام في الانتهاكات التي تتعلق بنساء وفتيات مصر من دون حساب ولا رادع. ورأينا في الآونة الأخيرة انتهاكات بعضها فادح وأغلبها فاضح لم يعتده المجتمع المصري مثل ما يمارس مع عائشة الشاطر وعلا القرضاوي وإسراء عبد الفتاح، على سبيل المثال لا الحصر، ليعبر بحق عن تجاوز كل السقوف والخطوط والحدود؛ حتى صارت الانتهاكات المتعلقة بالنساء والفتيات طقسا أمنيا يوميا يعبر عن حالة حقوقية متدنية ومتردية أشارت إليها جهات دولية حقوقية، ولكن النظام سادر في غيّه ولا يزال يبهرنا بمزيد من تجاوزاته، لتلقى امرأة شابة حتفها في السجن تحت نظر النظام وأجهزته الأمنية.

تشكل وفاة مريم سالم، المعتقلة السيناوية من دون تهمة في سجون النظام المصري، نتيجة الإهمال الطبي المُتعمد من قبل إدارة مصلحة السجون، شاهدا جديدا على جرائم النظام بحق المعتقلين وأهالي سيناء، ولا يزال عشرات المعتقلين والمختفين قسرا في سجون النظام، بلا تهمة أو محاكمة، في انتظار وفاتهم جراء الأمراض، في ظل غياب القانون، والاهتمام الإعلامي والقانوني بقضايا المعتقلين، ما يستدعي التحذير من مصير آلاف المعتقلين في سجون النظام من سيناء وبقية المحافظات المصرية.

وكانت مؤسسة "عدالة لحقوق الإنسان" قد أكدت الأحد، وفاة المعتقلة "مريم سالم"، البالغة من العمر 31 سنة، نتيجة الإهمال الطبي المتعمد بحقها، حيث تعنتت إدارة سجن القناطر في تقديم العلاج والرعاية الطبية اللازمة لها على الرغم من معاناتها من تليف كبدي وعدة أمراض أخرى، وكذلك حُرمت من رؤية رضيعها الوحيد عبد الرحمن، الذي أُودِع أحد دور الأيتام. واستنكرت المؤسسة جريمة القتل بالإهمال الطبي بحق المعتقلة، وطالبت بفتح تحقيق عاجل في تلك الواقعة ومحاسبة المسؤولين عنها، وحمّلت السلطات المصرية المسؤولية الكاملة عن تلك الجريمة.

وهنا وجب علينا أن نذكّر بتقرير شديد الأهمية وذكر التقرير أن "الوضع في مقار وأماكن الاحتجاز في مصر، ولا سيما بالنسبة للمرأة، يخضع لغياب مبدأ المحاسبة، وتسود فيه ثقافة الإفلات من العقاب، بما يمنح القائمين على إدارة تلك الأماكن فرصة ارتكاب المخالفات بحرية ويُكرس مزيدا من الانتهاكات دون أية محاكمة".

كما وثق التقرير تعرض ما لا يقل عن 396 سيدة و16 طفلة للاختفاء القسري، ما زال 15 منهن على الأقل قيد الاختفاء حتى تاريخ 15 تموز/ يوليو 2019، فضلا عن الاحتجاز التعسفي لـ2629 سيدة وفتاة بمقرات احتجاز مؤقتة وسجون، خلال فترة التقرير لمدد متفاوتة، تم إطلاق سراحهن، ولا تزال 127 منهن قيد الحبس والاحتجاز.

وعن الإجراءات التعسفية، رصد التقرير تعرض 350 طالبة للفصل من دراستهن الجامعية، و5 من عضوات هيئة التدريس الجامعية، فضلا عن مصادرة أملاك ما لا يقل عن 100 سيدة، ومنع أكثر من 106 سيدات من السفر خارج البلاد.

أصبحت الوقائع تتحدث عن نفسها، والحوادث الفاضحة تصرخ بأعلى صوتها وتدق ناقوس خطر ليس فقط لسلطة فاشية استخفت بكل شيء، ولكن لمجتمع جعل من انتهاكات النساء أمرا مرفوضا، واعتبار حقوقهن عرفا مفروضا لم تجرؤ سلطات سابقة مهما كان استبدادها على تجاوز الخطوط والحدود والسقوف. وتكرار الحوادث في ذلك المضمار إنما يؤشر لقيم تتآكل ارتبطت بالمجتمع كحامٍ لها، وتخاذل بدا يطل علينا في مساحات من أخطر الساحات.. ألا فانهضوا، فالمستبد يأبه لكرامتكم والطاغية يستخف بمنظومة قيمكم، ولحمة مجتمعكم وشرفه.