صالح النعامي

تحرص الأحزاب الدينية اليهودية على توظيف ثقلها المتعاظم على دائرة صنع القرار في إسرائيل، في مراكمة أكبر قدر من التأثير على اتجاهات المجتمع الإسرائيلي. ولأنّ انضمام الأحزاب الدينية إلى الائتلاف الحاكم الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتن ياهو هو الذي منح هذا الائتلاف الأغلبية المطلقة في البرلمان، فإنّ نتن ياهو ووزراء الليكود يحاولون استرضاء الأحزاب الدينية وعدم إغضاب ممثليها في الحكومة والبرلمان  من خلال عدم إبداء أيّ ممانعة للقرارات التي يتخذها الوزراء المتدينون والهادفة إلى التأثير على اتجاهات الأغلبية العلمانية بما يتوافق مع المنطلقات الأيديولوجية والاجتماعية لهؤلاء.
ويُعدّ الدور الذي سبق وأدّاه وزير التعليم السابق الحاخام شاي بيرون الذي ينتمي إلى حزب «ييش عتيد» وكذلك الدور الذي يؤدّيه اليوم وزير التعليم الحالي نفتالي بينت الذي يرأس حزب «البيت اليهودي» المتدين، مثالاً كلاسيكياً على دور الوزراء المتدينين في الائتلاف الحاكم. فقد أحدث كل من بيرون وبنات «ثورة» في ما يتعلق بمضامين المناهج التعليمية في مدارس التيار العام في التعليم الإسرائيلي التي يرتادها تلاميذ علمانيون، إذ هدفت المضامين إلى التأثير على قناعات التلاميذ واتجاهاتهم وأفكارهم حول الدين والمنطلقات الدينية المتعلقة بالصراع مع الفلسطينيين. وبحسب دراسة أعدّها «المنتدى العلماني» وهو إطار يمثّل أولياء أمور التلاميذ العلمانيين في إسرائيل، فقد ألزم كل من بيرون وبنات تلاميذ المدارس الابتدائية بدراسة 80 كتاباً تهدف بطريقة غير مباشرة إلى التأثير على القناعات الدينية للتلاميذ العلمانيين.
وبحسب الدراسة التي عرضتها صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، فإنّ القاسم المشترك بين هذه الكتب هو الاستناد بصورة كبيرة وبإسهاب إلى المصادر الدينية اليهودية، بهدف تكريس توجّهات وقناعات متطرّفة لدى التلاميذ. وتشير الدراسة إلى أنّه لا يوجد ما يسوغ فرض هذه الكتب، إذ إنّها لا تمثّل بحد ذاتها مساقاً جديداً. وتبيّن الدراسة أنّه على الرغم من أنّ معظم الكتب الجديدة التي فرضت على التلاميذ تتعلق بتدريس اللغة والأدب العبري، إلا أنّ النصوص الأدبية والأمثلة التي زخرت بها تعود إلى مصادر دينية، لا سيما إلى التوراة والأدب اليهودي القديم ذي النزعة الدينية. ولا يساور معدّو الدراسة أيّ شكّ في أنّ وزارة التعليم هدفت من خلال دمج هذه الكتب في المقررات، إلى التأثير بطريقة منهجية ومدروسة على وعي التلاميذ العلمانيين والتأثير على قناعاتهم، بما يتوافق مع التوجهات الدينية الأكثر تطرفاً التي تتشبّث بها الأحزاب الدينية. وبحسب خلاصات الدراسة، فإنّ الوزارة تهدف من خلال تعميم المضامين الدينية المتطرفة إلى دفع التلاميذ العلمانيين إلى التدين.
وتخلص الدراسة إلى هذا الاستنتاج من خلال تحليل مضامين مساق «التربية اليهودية الإسرائيلية»، إذ تشير إلى أنّ هذه المادة تعظّم من قيمة قيام المرأة بوضع غطاء على رأسها، إلى جانب إبراز إيجابيات الفصل بين الجنسَين. وتوضح الدراسة كذلك أنّ النصوص التي تزخر بها الكتب المتعلقة بمساق القراءة، تكبّر من شأن وقيمة احترام حرمة يوم السبت، إلى جانب نصوص تعظّم من أهمية وقيمة الأعياد الدينية اليهودية. وتشير الدراسة إلى أنّ الأشعار والنصوص الأدبية التي تتضمّنها الكتب، اختيرت بعناية لتعزز القناعات الدينية، من خلال امتداحها القيم الدينية مع الإشارة إلى دورها في الحفاظ على اليهود. 
لكنّ الأمور لا تتوقف عند الجهود التي تقوم بها وزارة التعليم الإسرائيلية للتأثير على اتجاهات المجتمع، بل إنّ الوزارات الأخرى التي يسيطر عليها المتدينون تحاول إلزام الجمهور العلماني بأنماط حياة تتوافق مع القناعات الدينية. على سبيل المثال، لا يتردد وزير الداخلية الحاخام أرييه درعي في معاقبة البلديات والمجالس المحلية التي تسمح للمحال التجارية بفتح أبوابها أيام السبت، حتى وإن تعلق الأمر بمناطق يقطنها فقط العلمانيون. وعندما تدخلت المحكمة العليا الأسبوع الماضي لتغيير قرار درعي بعدم السماح بفتح المحال التجارية في مدينة تل أبيب التي تُعدّ قلعة العلمانية الإسرائيلية، هدد درعي والوزراء المتدينون الآخرون بتجاوز قرار المحكمة من خلال سنّ قانون جديد يلزم المجالس المحلية بعدم السماح بفتح أبواب المحال التجارية والمرافق الأخرى أيام السبت.}