العدد 1448 /10-2-2021

انطلق رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام يبلّغ رسالة ربه مفتتحاً مسيرته بقوله لزوجته السيدة خديجة رضي الله عنها: ولّى زمان النوم يا خديجة. لأنه يعلم ان الحمل ثقيل والرسالة عالمية وأنه رحمة مهداة. وإنه ليهدي إلى صراط مستقيم، وإنه لعلى خُلُق عظيم، وإنه لعلى نهج قويم، فما ضلَّ وما زلَّ وما ذلَّ وما غلَّ وما ملَّ وما كلَّ عليه الصلاة والسلام. ما ضلَّ لأن الله هاديه وجبريل يكلمه ويناديه، وما زلّ لأن العصمة ترعاه والله أيده وهداه، وما ذلّ لأن النصر حليفه والفوز رديفه، وما غلّ لأنه صاحب أمانة وصيانة وديانة، وما ملّ لأنه أُعطي الصبر وشُرح له الصدر، وما كلّ لأن له عزيمة وهمة كريمة ونفساً طاهرة مستقيمة..

لذلك عندما نحاول استخراج أصول الأفعال في مسيرته عليه الصلاة والسلام، فإننا دوماً نستصحب غاية التكليف، والتي ذكرناها سابقاً {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}، لما لهذين البُعدين من تأثير مستمر على عقل الرسول الكريم ونفسه، ومن ثمّ على سلوكه وتصرفاته وأفعاله.

ما نراه واضحاً في سيرة الرسول الكريم أن منهجه كان إصلاحياً أخلاقياً يتفاعل مع الخير الموروث ويزيح حجب الشر المفتعل. فإنه على خُلق عظيم وجاء ليتمم مكارم الأخلاق، ويأمر بالعرف بلا قطيعة مع تراث الخير بل يرثه ويتمسك به، سواء كان هذا الخير جاء به الرسل والأنبياء من قبله أم جاء به الناس من أي زمان أو مكان أو حتى على أي ملة كانوا أو دين.

حِلف الفضول، على سبيل المثال - وما كان يتضمنه من مكارم الشيم وعظيم الأخلاق، وهو كان تجمعاً وميثاقاً إنسانياً تنادت فيه المشاعر الإنسانية لنصرة الإنسان المظلوم، والدفاع عن الحق، ويعتبر من مفاخر العرب قبل الإسلام. يظهر بريق الرضا والفرح بهذا الحلف في ثنايا الكلمات التي عبّر بها رسول الله ـصلى الله عليه وسلم بقوله: (ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت). فالحلف كان بين مشركين ولكن الغاية منه نبيلة، فرأى فيه الرسول الكريم خيراً لو دُعي له في الاسلام لأجاب.

وحلف الفضول يضعنا مباشرة أمام مفهوم الظلم، فالظلم بالتعريف هو سلب الحق من الآخر، من الفرد أو من الجماعة، وسلب الحق لا يكون إلا بالقوة والغلبة. فالاحتلال ظلم، واضطهاد الناس بسبب معتقداتها وآرائها ظلم، وسلب الحرية ظلم، وكل هذه الأشكال من الظلم وغيرها سلب للحق، وكل سلب للحق اعتداء على كرامة الإنسان وحياته. ربما هذا هو المعنى العميق لحلف الفضول.

الشيخ محمد أحمد حمود