حازم عياد

برّر وزير الخارجية الأمريكي (تيلرسون) التقدم في العلاقات القطرية الأمريكية بالقول: قطر، وبعد الطلب الجدي للرئيس ترامب من جميع شركائنا الخليجيين خلال قمة الرياض في العام الماضي، قامت بإحراز تقدم كبير لتحسين الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهاب؛ في حين أن وزير الدفاع الأمريكي ماتيس في توصيفه للعلاقة القطرية الأمريكية قال: تستضيف «قطر» القاعدة الجوية الجديدة، ومقر لمركز العمليات الجوية المشتركة، وكذلك مقر قيادة القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية، فضلاً عن مقر القيادة المركزية الأمريكية التي توفر الدعم الحاسم لمكافحة الإرهاب لدحر داعش واستراتيجية الرئيس ترامب في جنوب آسيا.
المبررات الأمريكية تصبح أكثر وضوحاً عند توصيف البيان الصادر عن الخارجية الأمريكية لتلك العلاقة بالقول: إن قطر وقعت عقوداً لشراء أسلحة بقيمة 24 مليار دولار؛ وفي ذات الوقت وعدت باستثمار 45 مليار دولار في مؤسسات وشركات أمريكية؛ ولم تتوقف حدود الإشادة بقطر عند هذا الحد، إذ ذهب وزير الدفاع الى الإشارة الى دور الدوحة في دعم جهود الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الدائرة في أفغانستان، إذ دشنت أول رحلتين لطائرات الشحن سي _17 لتوفير الدعم اللوجستي للقوات الأمريكية في أفغانستان الأسبوع الماضي التي تعاني في هذه اللحظات من أسوأ كوابيسها.
أمريكا باتت بحاجة الى قطر بشكل واضح لإمداد قواتها شبه المحاصرة في أفغانستان، خصوصاً بعد أن تدهورت العلاقات الباكستانية الأمريكية وبعد سيطرة طالباً على 70% من أراضي البلاد، وتمكنها من فرض طوق أمني على مدينة كابول؛ فالنفوذ الأمريكي في أفغانستان يعاني من كابوس كبير وهي بحاجة لتفعيل قاعدتها في العيديد لتعويض القصور الحاصل نتيجة تدهور العلاقة مع باكستان، إذ لا يتوافر لها الوقت الكافي للبحث عن بدائل أو بناء قواعد جديدة، خصوصاً أن طالبان تحرز تقدماً سريعاً في الميدان بعد التدهور الحاصل في العلاقات الأمريكية مع باكستان؛ مفسراً بذلك التحول المتسارع في العلاقة القطرية الأمريكية؛ فالاستثمارات القطرية والمشتريات العسكرية ليست أمرا جديداً بحد ذاته بقدر التطورات الاستراتيجية الحاصلة في جنوب ووسط آسيا.
الأهم من ذلك أن هناك خشية أمريكية نتيجة الانفتاح القطري على روسيا وزيارة شويغو وزير الدفاع الروسي وتوقيع مذكرات لم يفصح عنها بين البلدين في العام الماضي؛ سبقها تعاون عسكري وإنشاء قاعدة تركية واتفاقيات للتعاون المشترك مع أنقرة هددت النفوذ الأمريكي في الخليج العربي؛ فتليرسون صرح على نحو لا لبس فيه بأن قطر بإمكانها الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية في حماية سيادتها، داعياً في بيانه الى وقف الحملات بين دول الحصار وقطر لتخفيض التوتر في الخليج العربي.
بالنسبة إلى قطر، فإن التطورات المتعلقة بالانتهاكات الإماراتية لأجوائها من قبل طائرات شحن إماراتية أدت الى تصعيد كبير هدد بمواجهة عسكرية بين الطرفين مسألة تدفع قطر إلى مزيد من التعاون ومحاولة بناء شبكة أمان واسعة لمواجهة احتمالات التصعيد والمواجهة مع الإمارات؛ مواجهة ستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات؛ الأمر الذي يمثل بدوره هاجساً لدى الإدارة الأمريكية التي تعاني من نكسات في العديد من الجبهات السياسية والعسكرية العالمية الى جانب نكساتها في الساحة الداخلية الأمريكية. 
فالخارجية الأمريكية، ومن خلال التركيز على النجاح في إقناع قطر بضخ 45 مليار دولار وعقد صفقات تسلح ضخمة، تفاخرت بالفرص التي ستتوافر للعمالة الأمريكية في محاولة لإظهار الأمر باعتباره نجاحات لإدارة ترامب وسياساته التي اتخذت طابع الابتزاز، فيما رأى فيها آخرون نوعاً من البلطجة؛ فالنجاحات الاقتصادية وتوظيف العمالة أمر يحتاجه ترامب لمواجهة خصومه في أمريكا.
بالنهاية، فإن العلاقات القطرية الأمريكية، وعلى الرغم من الحوار الاستراتيجي المعلن في واشنطن، إلا أنها ستبقى في حكم الغيب وتفتقد الى اليقين؛ فإدارة ترامب تورّطت من خلال صهر الرئيس جاريد كوشنر وطاقم إدارته بالتصعيد الحاصل في الخليج العربي الذي أفضى الى اندلاع الأزمة القطرية، ما يعني أن الثقة ستبقى في مستويات متدنية بين البلدين؛ إذ يصعب على قطر أن تثق بالإدارة الأمريكية وتوجهاتها وأن تتخلى عن انفتاحها على روسيا وتركيا وإيران.
يزيد الأمور تعقيداً وغموضاً الدوافع الحقيقية للإدارة الأمريكية، الممثلة بخشيتها خسارة نفوذها في الخليج العربي وتراجع دورها كقوة استقرار وسلام في المنطقة؛ لمصلحة قوى إقليمية صاعدة، فضلاً عن حاجتها المستعجلة لقطر لتعويض حالة التردي التي تعاني منها قواتها في أفغانستان، ولعلها الأسباب الحقيقية لهذا الحوار الاستراتيجي؛ أمر استفادت منه قطر بإظهارها قدراً عالياً من المرونة والاستجابة التفاعلية؛ ولكنها على الأرجح لن تعوّل عليه كثيراً باعتباره سبباً مباشراً لحماية سيادتها واستقرارها.}