بسام ناصر

تتباين مواقف الإسلاميين على اختلاف اتجاهاتهم من السياسة التركية الخارجية في تحولاتها الأخيرة نحو موسكو، وتختلف قراءاتهم من التوجهات التركية في تقاربها مع موسكو، وطيّ صفحة الخلافات التركية الروسية، في الوقت الذي تشارك فيه الأخيرة بقوة في العدوان الشرس والوحشي على الشعب السوري.
الحركات الإسلامية الراديكالية (الأصولية) لا تعتبر تحولات أردوغان نحو موسكو أمراً مفاجئاً، لأنه يأتي في سياق السياسة البراغماتية التي تنتهجها تركيا في علاقاتها الخارجية، ولأن تلك الحركات بالأساس تعترض على تجربة أردوغان في الحكم لأنها غير متوافقة مع رؤيتها لنظام الحكم الإسلامي، فأردوغان وحزبه ليسوا حزباً إسلامياً، ولا يمثلون حركة إسلامية، بل يديرون دولة علمانية، لا تخاصم الدين ولا تعاديه، وهو ما ترفضه تلك الحركات، وتعتبره نموذجاً يصب في اتجاه «علمنة الإسلام».
لكن الحركات الإسلامية السياسية، خاصة التي تدور في فلك التوجهات الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين، ترى في تجربة أردوغان نموذجاً رائداً، يصب في مصلحة الأمة، ويخدم التوجهات الإسلامية بطريقة غير مباشرة، لكنها فوجئت بتحولات أردوغان نحو موسكو، وصدمها حين نعت بوتين بـ«صديقي»، إذ كيف يكون صديقاً له، وهو يشنّ حرباً شرسة ودموية على إخوانه المسلمين من الشعب السوري؟
فكيف قرأ الإسلاميون المؤيدون لتجربة أردوغان في السلطة؟ وهل ثمة مبررات مقنعة لتلك التحولات في تقاربها من روسيا؟ وما هي الدوافع التي ألجأت تركيا إلى تغيير سياساتها ومواقفها من فصائل المعارضة السورية، وذهابها إلى موسكو لمصالحتها والدخول معها في تحالف لمواجهة الحركات الإرهابية في المنطقة؟
في هذا السياق يرى الأكاديمي والمفكر الموريتاني، الدكتور محمد مختار الشنقيطي أن «تركيا انشغلت بإنقاذ نفسها عن إنقاذ العراق وسوريا، ومن حقها ذلك، لكن الفصل بين عناصر الأزمة الإقليمية والتعامل معها بالتقسيط خطأ استراتيجي» بحسب تغريدة له عبر حسابه في موقع التدوينات الصغيرة «تويتر».
ولفت الشنقيطي في تغريدة أخرى، إلى «أنه إذا سقطت مدينة حلب السورية فستكون تركيا هي أكبر خاسر من ذلك، وأن العدوّ سيبدأ بمحاصرة قيادتها القوية من الخارج، بعد أن فشل في الانقلاب عليها من الداخل».
بحسب رؤية الشنقيطي ومن يشاركه فيها، فإن تركيا وجدت نفسها مضطرة إلى تعديل مواقفها مما يجري في سوريا والعراق، وأن عليها الالتفات إلى تحصين موقفها الداخلي، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، التي كانت تستهدف أردوغان وحزبه، الأمر الذي أجبر أردوغان على الذهاب إلى موسكو، والاعتذار لبوتين عن إسقاط الطائرة الروسية، والعمل على تطبيع العلاقات بين البلدين.
لكن ما تقوم به روسيا في مشاركتها العسكرية بالهجوم على حلب، وقصفها الوحشي لأحياء حلب المحاصرة، أثار السخط من مواقف أردوغان الصامتة، التي لم تتجاوز ما كشف عنه أردوغان نفسه في وقت سابق من أنه توصل إلى اتفاق مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على وقف قصف الأحياء المحاصرة في حلب، مقابل خروج «جبهة فتح الشام»، التي أعلنت رفضها لذلك الاتفاق.
لو أن تلك الحركات الإسلامية المؤيدة لتجربة أردوغان في الحكم، والمشيدة بها، حاكمت تجربته بذات المعايير التي يرتضيها أردوغان لنفسه، لأراحت واستراحت، فالرجل كما حدد هويته بدقة، مسلم يقود دولة علمانية، وحزبه حزب ديمقراطي محافظ، ويدير الشأن التركي الداخلي والخارجي انطلاقاً من ذلك التوصيف الدقيق، فمحاكمة الرجل بناء على تصورات موهومة يوقع صاحبه في الخطأ، ويقوده إلى فرض ما يراه على نموذج لا يتوافق مع تلك الرؤية بالأساس.