العدد 1696 /31-12-2025
صلاح الدين
الجورشي
غادرت صفوف
الإخوان المسلمين في تونس (الجماعة الإسلامية سابقا) منذ وقت مبكر، واشتبكت معهم
فكريا وتنظيميا، لكني لم أفهم الأسباب والدوافع الحقيقة التي تقف وراء هذه الحملة
الدولية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها ضدهم. بدأ الحملةَ
الرئيسُ ترامب بتصنيف بعض فروع الحركة ضمن خانة التنظيمات الإرهابية، خاصة في لبنان
والأردن ومصر، متهما الحركة "بزعزعة الاستقرار ومناهضة المصالح الأمريكية
وحلفائها في الشرق الأوسط ".
كما حذر خبراء
ودبلوماسيون مما وصفوه بـ"الخطر الاستراتيجي الذي تمثله حركة الإخوان وفروعها
على المجتمعات الغربية". وادعى هؤلاء أن "التأخر في اتخاذ إجراءات عاجلة
لتصنيف الجماعة منظمة إرهابية سيجعل محاولاتها لمحو الحرية والديمقراطية"
تتحقق. كما اعتبروا أن "الحسم القانوني والسياسي يشكل ضرورة لضمان حماية
المجتمعات الغربية من النفوذ الاستراتيجي للإخوان".لم يتحول الإخوان إلى كيان
قوي من شأنه تهديد موازين القوى الدولية، وهم أبعد من أن يهددوا الحضارة الغربية
كما تدعي الأجهزة الأمريكية وأصدر هؤلاء ضمن "مجموعة فيكتوري" تقريرا
تحت عنوان "الاختيار: حظر الإخوان أو مواجهة محو الحضارة". وبناء عليه،
تم اعتبار سنة 2025 "منعطفا حاسما في السياسة الأمريكية تجاه جماعة الإخوان
التي تمثل تهديدا مركبا للأمن الداخلي والخارجي للولايات المتحدة والحضارة الغربية
بشكل عام".
ما هي
"الجرائم" التي ارتكبها الإخوان مؤخرا، والتي يمكن أن تبرر هذه الرغبة
الشديدة في القضاء عليهم، ومحاولة محوهم من الخارطة الدولية؟
يعلم الجميع أن
هذه الجماعة تراجع وزنها كثيرا في معظم البلدان، وفي مقدمتها مصر التي أطيح فيها
بالحركة، واعتقل الآلاف من كوادرها، وهي تواجه خلافات عديدة في صلبها. كما تلقت
ضربة قوية في الأردن، ورغم أن فرعها لا يشكل قوة كبيرة على الساحة اللبنانية، إلا
أنه لم ينج من التحريض الأمريكي. أما بالنسبة لفروعها داخل الدول الغربية فيلاحظ
بكونها لم تبلغ حجم الجماعات الضاغطة والمؤثرة على الصعيد السياسي أو الاجتماعي.
وبناء عليه، لم يتحول الإخوان إلى كيان قوي من شأنه تهديد موازين القوى الدولية،
وهم أبعد من أن يهددوا الحضارة الغربية كما تدعي الأجهزة الأمريكية.
المثال الوحيد
الذي لفت أنظار العالم، وأحدث رجة قوية، وخلق حالة استثناء، تمثل في حركة حماس
التي تمكنت من الصمود في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية المدعومة أمريكيا. وبفضل
صمودها فقدت الحركة الصهيونية تعاطف الشارع الغربي، وتم نسف الأساطير التي نسجتها
حول سياساتها البشعة. لهذا كان من الطبيعي أن يكون الكيان الصهيوني المحرض الرئيسي
لهذه الحملة العالمية ضد الإخوان المسلمين، كجزء خطة تهدف إلى عزل القضية
الفلسطينية وتهجير سكان غزة بمختلف الوسائل والطرق الشيطانية. وعندما يُعرف السبب
يبطل العجب.
فالصهيونية
العالمية تعمل حاليا على فسخ ما حدث بعد السابع من أكتوبر، وإعادة بناء الذاكرة من
جديد بالقول إن الخطر الحقيقي ليس نابعا من خططها التوسعية، وإنما مصدره حركات
الإسلام السياسي داخل فلسطين وفي العالم، وبالتالي تحويل النقاش العام نحو ملف آخر
يجد من يتبناه من داخل الدوائر الغربية وحتى العربية والإسلامية. وبذلك تتمكن
الصهيونية من قلب الطاولة بحجة توجيه السهام ضد "العدو المشترك".
ليس الغاية من
هذا المقال الدفاع عن الإخوان وبقية حركات الإسلام السياسي، وإنما تسليط الضوء على
الأطراف التي تعمل محليا ودوليا على استغلال الأخطاء الفادحة التي يرتكبها
الإسلاميون وتوظيفها ليس فقط ضد هذه الحركات، وإنما لتحقيق إستراتيجية أوسع وأخطر.
فالغرب يعيش تحت وطأة أزمة هوية حادة، وتتغذى حركات أقصى اليمين الديني والقومي من
هذا الشعور القاتل بفقدان الإحساس بالانتماء والولاء. وبدل أن تتم المعالجة بشكل
جدي وفعال للتقليل من درجات الخوف عند الغربيين، يقوم البعض بتعزيزها وتقويتها
لديهم من خلال القيام بعمليات إرهابية هنا وهناك. كما أن دوائر إخوانية لا تزال
حتى اليوم تردد بعض مقولات سيد قطب حول الجاهلية، وتعتبر أن الصراع الدائر حاليا
مع الغرب هو صراع حضاري بامتياز، يهدف إلى تدمير الحضارة الغربية واستئناف الحضارة
الإسلامية على أنقاضها!
اللحظة الراهنة
لحظة تاريخية مختلفة تماما عن السياق الذي ولدت فيه حركة الإخوان وتمخضت عنه،
والواجب يقتضي الوقوف عند دروس غزة واعتبارها بمثابة البوصلة لتصحيح الرؤية وتحديد
المسار. فالأزمة كما تجلت في غزة أخلاقية وفكرية وسياسية، والمطلوب من الإسلاميين
وغيرهم هو التمسك بالقيم الإنسانية والدفاع عنها، وليس تأجيج العداوة وإشعال حروب
لا نجني منها سوى مزيد التهمش والانغلاق.