حازم عياد

توقيت الهجوم على بلدة خان شيخون في ريف ادلب حمل العديد من الدلالات ووجه الكثير من الرسائل لكافة الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية المنخرطة في الأزمة السورية، سواء أكانوا من أصدقاء نظام الأسد وحلفائه أم من أعدائه، فلا أحد يستطيع تجاوزه رغم ضعفه الميداني لامتلاكه أوراقاً مهمة على رأسها الاسلحة الكيميائية والجرأة في استخدامها.
فلم تمض ساعات قليلة على تصريحات نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن «أن ازاحة الأسد لم تعد من أولوياتنا» حتى عادت وتراجعت عنها في لقاء مع قناة ABC بالقول «انه مجرم حرب وسيبقى من اولوياتنا»، مربكة الأسد الذي يراقب التغيرات والتحالفات بعيداً عن ارادته وقدرته، كما ترافق الهجوم الثلاثاء مع موعد تنفيذ اتفاق الهدنة «للشهور التسعة» اتفاق كفريا- الزبداني بين حزب الله وفتح الشام الذي تم تأجيله الى الخميس، بعيداً عن رغبة الأسد، وترافق الهجوم مع دعوات أمريكية لإشراك قوات «قسد» الكردية الانفصالية والجيش الحر في تحالف لقتال داعش.
فتوقيت الهجوم كان مثالياً لاختبار كافة النوايا وصدقها تجاه الأسد، ولنقل المعركة الى مستويات أعلى وأكبر من مجرد تحالفات ميدانية على الأرض السورية الى محافل دولية كبرى كمجلس الأمن والناتو والاتحاد الأوروبي؛ فالمعركة ستخوضها الدول الخمس الكبار لتقرير الحقائق الكبرى التي يرغب الأسد في التذكير بها من خلال مجلس الأمن.
وردود الفعل الأولية على الهجوم بغاز السارين على «خان شيخون» كانت باهتة وضعيفة؛ اذ وجه الرئيس الأمريكي ترامب اللوم الى أوباما بالمسؤولية عن تردي الأوضاع في سوريا. فيما طالب وزير الخارجية الامريكي تيلرسون من إيران وروسيا الضغط على الأسد لمنع تكرار الهجمات، اما المتحدث الرسمي للبيت الأبيض فقال ان الأسد واقع سياسي؛ وأمريكا لا تريد ان تبدأ من الصفر، وان تربك تكتيكاتها الميدانية بتحولات استراتيجية لا ترغب فيها.
وبذلك نجح الاسد في تخطي عقبة التصريحات المتناقضة بإحالة أمره على روسيا وإيران لضبط سلوكه كالطفل المدلل، لا بالتهديد بمعاقبته أو الانقلاب عليه، وتغيير أولويات واشنطن بمكافحة ما يسمى الإرهاب في سوريا.
اختبرت الهجمات مدى استعداد واشنطن لتغيير أولوياتها واحرجتها قليلاً، كما أحرجت روسيا باعتبارها راعياً لعمليات وقف اطلاق النار ومفاوضات الاستانة، وأحرجت حزب الله الذي أجرى اتفاقاً على هدنة طويلة تمتد الى ادلب وحلب شمال سوريا، المكان الذي تواجه قوات الاسد فيه معارضة صلبة وقوية، ولا ترغب في ان تبقى خارج اطار التفاهمات لتستهدف من قبل المعارضة السورية.
عطل الاسد تفاهمات الزبداني- كفريا، وأُخر تنفيذ الاتفاق الى يومين ليترافق مع انعقاد جلسة مجلس الأمن في الامم المتحدة؛ فالأسد رغم واقعه الميداني المتردي أثبت أنه لا يزال الطفل المدلل لدى سائر القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الصراع، وعلى رأسها أمريكا وروسيا وإيران، الى جانب الاتحاد الأوروبي الذي تأرجح بين الموقف الفرنسي والبريطاني، ومؤكداً انه لا يزال رقماً صعباً في رسم المعادلات الاستراتيجية بشكل يفوق أهميته في رسم معالم الصراع تكتيكياً في الميدان.
احتفظ الأسد بمقعده في الأمم المتحدة، حاله كحال زعيم الخمير الحمر في كمبوديا السيئ السمعة والمتهم بجرائم الحرب بول بوت، الذي فقد السيطرة على أكثر من ثلثي البلاد بما فيها العاصمة، الا انه بقي الرئيس المعترف به، وحزبه الممثل الشرعي للشعب الكمبودي في الامم المتحدة منذ عام 1977 الى 1991، والأقدر على خلط الأوراق الإقليمية والدولية بين الصين وروسيا وأمريكا وفيتنام؛ فالأسد ليس حالة فريدة من نوعها، هناك بول بوت وغيره كثر حافظوا على أدوارهم في النظام الدولي رغم الجرائم التي ارتكبت من قبلهم، ورغم تراجع أدوارهم وأهميتهم لمصلحة قوى محلية أكثر فاعلية أو إقليمية ودولية أكبر تأثيراً وأهمية، إلا أنهما بقيا الأهم في معادلة القوى والتوازن الدولي؛ فكلاهما كان قادراً على خلط الأوراق على مستوى المنظومة الدولية والخطط الاستراتيجية بسلوكيات تمتاز بقدر كبير من العنف والتخريب.