العدد 1353 / 13-3-2019

أمام مدخل غرفة الموتى بمركز التوليد وطب الرضيع بالعاصمة تونس، تجلس هدى الجبالي بانتظار حلول دورها لتتسلم جثمان مولودتها التي اختارت لها من الأسماء دعاء لكنها قضت بالمركز ولم يتجاوز عمرها أسبوعا واحدا.

تتلقى الأم (37 عاما) مواساة قريبها سالم بعد إعلامها بوفاة ابنتها وعشرة رضع آخرين دفعة واحدة مساء الجمعة في حادثة هزت الرأي العام وأفرزت عاصفة من الاتهامات بالإهمال والتقصير للمسؤولين بالمركز ولوزارة الصحة.

وبعينين تذرفان الدموع وقلب يعتصر ألما وأسى، تحاول هدى لملمة كلماتها المتقطعة لتقول "قتلوا فلذة كبدي وحرموني رؤية ابنتي للأبد، هم المسؤولون عن وفاة أبنائنا، لن نسامح هؤلاء على ما اقترفت أيديهم".

تضيف الأم الملتاعة "وضعت مولودي الرابع وهو الأول من جنس الإناث، لكني لم أرها وأعلموني أنها في الحاضنة لتلقي العلاج وهي بخير، ثم اتصلت بي إدارة المستشفى أمس لتعلمني بخبر وفاتها بلا توضيحات، ما حصل هو جريمة في حق الرضع وذويهم".

يتدخل قريبها سالم الذي رافقها إلى المركز لمساعدتها في إخراج جثمان الرضيعة "الزوالي (الفقير) يدفع ثمن تلاعب المسؤولين بصحة أبنائنا، ما حدث لدعاء ولعشرة رضع آخرين سببه التقصير وغياب المتابعة للمواليد الجدد".

سببها التقصير

وفجر الخبر ردود فعل عنيفة وموجة غضب عارمة لدى التونسيين الذين اتهموا وزارة الصحة بالإهمال والتقصير، وسط أنباء تحدثت عن حقن الرضع بأمصال منتهية الصلاحية واحتمال أن يرتفع عدد الضحايا إلى أكثر من خمسين رضيعا.

وقالت وزارة الصحة إنها سجلت 11 حالة وفاة بين الرضع المقيمين بمركز التوليد وطب الرضيع بمستشفى الرابطة الحكومي خلال يومي 7 و8 آذار الحالي.

وأعلنت الوزارة فتح تحقيق عاجل من قبل لجنة مختصة للوقوف على الأسباب الحقيقية وتحديد المسؤوليات في انتظار الإعلان عن نتائج البحث إبان انتهاء التحقيق.

في المقابل قالت وزارة الصحة إن النتائج الأولية للتحقيقات ترجح أن تكون الحادثة ناتجة عن تعفنات سارية في الدم تسببت في هبوط سريع بالدورة الدموية للرضع.

من جهته، قال أيمن المكي المدير العام للصيدلية المركزية التي تزود كل المستشفيات الحكومية بالدواء، إن الحديث عن تقديم أدوية فاسدة للرضع مجانب للواقع.

وقال المكي للجزيرة نت "التحقيقات لا تزال جارية والحديث عن ضلوع الصيدلية المركزية في الحادثة لا يمت للواقع بصلة".

وأضاف "هناك أخبار شبه مؤكدة عن تعرض بعض المستحضرات التي يتم إعدادها داخل المركز وتقديمها للرضع إلى التعفن ولكن ذلك ما ستكشف عنه التحقيقات الداخلية للوزارة والخارجية للنيابة العامة".

جريمة بشعة

وفي أول رد فعل رسمي عقب الحادثة التي وصفها مدونون على منصات التواصل بأنها "جريمة بشعة في حق الطفولة"، أعلن وزير الصحة عبد الرؤوف الشريف مساء أمس استقالته.

وأعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد قبول استقالة وزير الصحة، كما تعهد بمحاسبة كل من تثبت التحقيقات ضلوعه في الإهمال والتقصير، كما أعلنت النيابة العامة فتح تحقيق في الحادثة.

من جهتها استنكرت منظمة الأطباء الشبان "انهيار المنظومة الصحية العمومية واستهتار السلطة السياسية بأرواح الناس وتزويرها للواقع وخداعها الشعب عبر رسم صورة غير حقيقية لواقع القطاع الصحي وعبر إنكارها الممارسات الممنهجة والمتعمدة الرامية إلى تدمير القطاع".

وشكل محامون تونسيون مبادرة تلقائية لمساندة أهالي الرضع والدفاع عنهم أمام المحاكم، وفق ما أكده للجزيرة نت المحامي أحمد بن حمدان.