حازم عياد

كان لافتاً تصريحات وزير الخارجية الروسي لافروف التي قال فيها ان النفوذ الأمريكي في المنطقة تحول الى عبء على حلفائها ومن ضمنهم الأردن؛ فإيران وميليشيات حزب الله موجودة على الحدود الجنوبية لسوريا قريباً من الحدود الأردنية وفلسطين المحتلة؛ فلا ضمانة حقيقية للأمن في المنطقة بدون دور روسي ناظم لهذا الحضور والوجود العسكري، فالعقوبات والتصعيد الأمريكي السعودي ومن ورائه الإسرائيلي لن يجدي نفعاً بدون تعاون روسيا.
لافروف أكد ان النفوذ الأمريكي في حالة تراجع في المنطقة العربية، وهي لغة جديدة تعكس مستوى التحكم الذي وصلت إليه موسكو في الملف السوري في ظل التعاون غير المسبوق مع طهران وأنقرة، وحاجة الدول والقوى الإقليمية وعلى رأسها السعودية إلى ضمانات روسية وتعاون كبير لتأكيد ضرورة مراعاة مصالحها في أي حل سياسي مقبل من الممكن ان يمتد نحو اليمن.
فبعد زيارة الأسد لسوتشي اتصل الملك سلمان والرئيس الأمريكي ترامب بالرئيس الروسي؛ للتعرف إلى موقف الأسد من حزب الله والنفوذ الإيراني؛ فبمقدار استعداده للتعاطي مع هذه المسألة ستكون الانفراجة في العلاقة مع الأسد، وهو ورقة روسيا الرابحة والخادعة في نفس الوقت.
السعودية قدمت رسائل إيجابية للأسد، ومن ورائه روسيا بتأكيد منصة الرياض للمعارضة السورية القبول بدور للأسد في مستقبل سوريا؛ ما استدعى عدداً من قيادات المعارضة السورية الى الاستقالة، وعلى رأسهم رياض حجاب، مزعزعاً العلاقة بين المعارضة السورية والرياض، في حين ان الولايات المتحدة لم تكف عن الضغط على حزب الله وإيران من خلال فرض وجبة جديدة من العقوبات المدعومة بقرار من مجلس جامعة الدول العربية في القاهرة؛ في محاولة لإبقاء ورقة حزب الله على الطاولة. 
الأسد وروسيا في المحصلة النهائية لن يتخليا عن النفوذ والحضور الإيراني لدعم العمليات العسكرية الروسية في ظل معارضة سورية ما زالت ترى في الاسد كارثة إنسانية، أما تركيا فإنها لن تقبل بأي دور للأكراد في مستقبل سوريا مزعزعة الورقة الأمريكية التي ازدادت ضعفاً بعد نكسة الأكراد في إقليم كردستان العراق؛ فالمساومة بين إيران وأمريكا تتحول الى مساومة بين أنقرة وطهران من جانب وواشنطن من جانب آخر، رافعة من مستوى التعاون بين إيران وتركيا لتنسيق المواقف بينهما والانتفاع بالمساومات المقبلة الى أقصى حدّ قد تمتد الى العراق واليمن والخليج العربي من ناحية أخرى، أمر تعول عليه روسيا لنقل سطوة نفوذها وتأثيره الى ملفات عربية تمتد من سوريا الى الخليج فاليمن.
المساومات لا يمكن ان تنتج حلاً وأن تبلغ مداها الأقصى دون الوصول الى تفاهمات مع كل من إيران وتركيا؛ فإيران ستبحث عن صيغة جديدة لنفوذها في سوريا؛ صيغة لن ترضي السعودية والولايات المتحدة، إلا ان حديث لافروف يعكس طموحات روسية لفصل المسار السعودي عن المسار الأمريكي من خلال فتح قنوات حوار ايرانية سعودية بعيداً عن واشنطن تمتد الى اليمن؛ فالولايات المتحدة الى الان لم تتمكن من ضمان مصالح حلفائها وتحولت الى عبء عليهم بحسب لافروف.
في ضوء هذه المساومات على أوراق سوتشي تظهر الورقة الرابحة الضاغطة على واشنطن الممثلة بقلق الكيان الاسرائيلي والولايات المتحدة من احتمالات توسع المواجهة العسكرية وفقدان السيطرة لتتحول الى حرب واسعة تلحق ضرراً كبيراً بأمن الكيان الإسرائيلي وببقايا النفوذ الأمريكي في سوريا والعراق، وهنا تتجلى قيمة الأزمة السورية باعتبارها إحدى أدوات خلخلة النفوذ الأمريكي في المنطقة العربية، وهي الفائدة الكبرى التي ستحققها روسيا والقوى المتعاونة معها في سوريا لتدفع مزيداً من القوى الإقليمية والدول المجاورة للالتحاق بالقاطرة الروسية التركية الإيرانية كملاذ آمن للخروج من أزمات الإقليم.}