العدد 1412 / 6-5-2020

تناول موقع ميدل إيست آي البريطاني الانقسام داخل هيئة الحشد الشعبي في العراق جراء انفصال الفصائل الموالية لمرجعية النجف عنها، بعد فشل الجهود الرامية لانتزاع السيطرة من القادة الذين تدعمهم إيران.

وقالت الكاتبة سعاد الصالحي -في تقرير نشره الموقع- إن محاولة المرجع الأعلى بالعراق علي السيستاني الرامية إلى انتزاع السيطرة على قوات الحشد الشعبي من الفصائل العراقية المدعومة من إيران انتهت بإعطاء الضوء الأخضر لحلّ التحالف الذي كان قائما بين هذه الفصائل، بحسب قادة ومسؤولين عسكريين.

وبدأ هذا الانقسام الأسبوع الماضي عندما انفصلت عن الحشد الشعبي أربعة فصائل مسلحة تعود إلى العتبات الدينية في النجف، وهي كتائب الإمام علي، وكتائب علي الأكبر، وفرقة العباس القتالية، ولواء أنصار المرجعية.

حدث مهم

وأوردت الكاتبة أن انسحاب هذه الفصائل حدث مهم لأن هيئة الحشد أسست من قبل رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي في حزيران 2014 استجابة لفتوى صادرة عن السيستاني تدعو العراقيين للانضمام إلى القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية بعد اجتياحه أجزاء واسعة شمال وشمال غرب البلاد.

كانت فتوى السيستاني واضحة حيث نصت على وجوب مقاتلة تنظيم الدولة تحت قيادة قوات الأمن العراقية فقط. لكن المالكي أثار جدلاً من خلال إنشاء هيئة الحشد الشعبي بدلاً من ذلك، وإعطاء مسؤولية قيادتها إلى مستشار الأمن القومي فالح الفياض، وتعيين أبو مهدي المهندس (مؤسس معظم الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران) نائبا لرئيسها.

في الظاهر، بدت خطوة المالكي منطقية من الناحية التكتيكية حيث أصبحت الفصائل المدعومة من إيران -على غرار "منظمة بدر"- الركيزة الرئيسية للحشد الشعبي لأنها كانت منظمة للغاية ومسلحة بشكل جيد.

وبدلا من العمل كقوة عسكرية نظامية مسؤولة عن تقديم التقارير لقادة الجيش على النحو الذي يقتضيه قانون هيئة الحشد الشعبي، كانت معظم الفصائل تتلقى الأوامر من قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني. وقد حاولت السلطات الدينية في النجف ورئيس الوزراء حيدر العبادي -الذي خلف المالكي- استعادة السيطرة على هيئة الحشد الشعبي على مدى الأعوام الأربعة التالية، لكن المخاوف بشأن اندلاع مواجهة بين الطرفين قوضت هذه الجهود.

كانت آخر محاولة للنجف للسيطرة على هيئة الحشد الشعبي قبل ستة أشهر، وذلك عندما دعت إلى استبدال معظم القادة والمسؤولين المرتبطين بإيران بقادة مستقلين تحت إشراف إدارة السيستاني. ولكن رفض القادة المدعومين من إيران التخلي عن مواقعهم وإصرارهم على إدامة سيطرة البلد الجار على هيئة الحشد الشعبي أدى إلى وصول المفاوضات إلى طريق مسدود.

فتوى السيستاني

بحلول أوائل عام 2014، تزايدت قوة تنظيم الدولة وشرع في شن عمليات جريئة ضد قوات الأمن العراقية. وسعيا للاتفاق حول أفضل السبل لتأمين بغداد، عقد المالكي -الذي فقد الثقة في قدرة القوات الأمنية على مواجهة تنظيم الدولة- اجتماعا في بغداد في آذار 2014 مع حلفائه من الفصائل الشيعية البارزة.

وأشارت الكاتبة إلى أنه بحلول حزيران 2014، استحوذ تنظيم الدولة على حوالي ثلث الأراضي العراقية. كانت فتوى السيستاني -التي كان الهدف منها التصدي لانهيار المؤسسة العسكرية ومنع تنظيم الدولة من الاستيلاء على بغداد- بمثابة طوق النجاة الذي أمسك به المالكي لتشريع أنشطة حلفائه من الفصائل من خلال إنشاء هيئة الحشد الشعبي.

وأشارت الكاتبة إلى أن إيران بدأت في توفير رواتب منتظمة لعشرات الآلاف من المتطوعين وسلحتهم وجهزتهم بسخاء. في المقابل، كان على المقاتلين المسلحين الذين اعتمدوا على بغداد الانتظار حتى حزيران 2015 لكي يتقاضوا رواتبهم.

وفي تموز 2016، كشفت السلطات الدينية في النجف مخاوفها للمسؤولين في بغداد وطهران بشأن سلوك القوات المدعومة من إيران، مشيرة إلى تورطها في انتهاكات حقوق الإنسان والاستيلاء على الموارد في المناطق التي تمت استعادتها من تنظيم الدولة.

وفي آذار 2018، أصدر رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي مرسوما يأمر بإعادة هيكلة قوات الحشد الشعبي، لكن الفصائل المدعومة من إيران تجاهلت القرار بالكامل.

قمع المتظاهرين

وصلت التوترات بين السلطات الدينية في النجف وإيران حول قوات الحشد الشعبي إلى ذروتها في تشرين الأول الماضي، عندما وجهت اتهامات لبعض قادة الحشد بشكل مباشر في تنفيذ حملة قمع وحشية استهدفت المتظاهرين المناهضين للحكومة، حيث قُتل المئات وجُرح الآلاف منهم.

وفي تشرين الثاني الماضي، أرسل القادة المناصرون للسلطات الدينية في النجف اقتراحا لرئيس الحكومة عادل عبد المهدي لإصلاح هيئة الحشد الشعبي والحد من سطوة إيران على قيادتها.

وفقاً لمسؤولين وقادة مطلعين على المفاوضات، استندت الإصلاحات المقترحة على ثلاث خطوات أولية، أولا تحديد المناصب والمديريات والقادة التي تمثل مفاتيح السيطرة على هيئة الحشد الشعبي، وثانيا إقالة من شغلوا تلك المناصب واستبدالهم بقادة جدد تحت إشراف السلطات الدينية في النجف، وثالثًا استبعاد جميع القادة المشاركين في قمع المتظاهرين. ولكن هذا الاقتراح لم يحظ بأي دعم.

فوضى عقب الاغتيال

وأشارت الكاتبة إلى اغتيال المهندس وسليماني مطلع يناير/كانون الثاني الماضي في غارة أميركية قرب مطار بغداد تسبب بفوضى تمخضت عنها إطلاق قادة مؤيدين للسيستاني محاولة جديدة للضغط على عبد المهدي لإصلاح هيئة الحشد.

ويبدو أن الفصائل المدعومة من إيران استشعرت خطورة جهود النجف الأخيرة للسيطرة على هيئة الحشد الشعبي، فهرعت لتسمية عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك) خلفًا لأبي مهدي المهندس.

في المقابل، رفض القادة الموالون لمرجعية النجف تعيين أبو فدك وهددوا بالانسحاب من الهيئة إذا لم تؤخذ مطالبهم على محمل الجد. ولتخفيف حدة التوتر ومحاولة إقناع الفصائل الأربعة بعدم الانسحاب، أرسل عبد المهدي وفدا عسكريا للقاء الكربلائي في محاولة لإيجاد تسوية ترضي الطرفين، لكن الأخير رفض الخوض في التفاصيل.

بعد عدة مفاوضات، وصلت المحادثات في مكتب عبد المهدي في بغداد خلال الشهر الماضي إلى طريق مسدود، وذلك عندما انسحبت الفصائل الموالية للسيستاني بعد أن علمت أن القادة المدعومين من إيران يصرون على تعيين أبو فدك خلفا للمهندس.