العدد 1423 / 29-7-2020
محمد عايش

إغلاق نقابة المعلمين في الأردن واقتحام مقراتها واعتقال القائمين عليها لم يكن مفاجئاً بالمطلق بل كان أمراً متوقعاً، وربما تأخر فقط بسبب أزمة "كورونا" التي عطَّلت العالم بأكمله، حيث كان مآلاً متوقعاً لأزمة لم تتمكن أطرافها (النقابة والحكومة) من التوصل الى حل وسط.

يأتي أيضاً إغلاق مقرات النقابة وتعطيلها واعتقال القائمين عليها الذين سيُحالون على الأغلب إلى القضاء وستصدر -على الأغلب أيضاً- أحكام بالسجن في حق بعضهم، يأتي هذا في ظل استمرار تفعيل "قانون الدفاع" وهو قانون طوارئ يتم بموجبه تسيير أعمال الحكومة منذ بدء جائحة "كورونا"، وهذا القانون ليس سوى صيغة مطورة أو مخففة من "الأحكام العرفية" لا بل يرى كثيرون أنه لا يختلف عن الأحكام العرفية سوى في بعض الشكليات فقط.. والمفارقة هنا أن أغلب الأردنيين، بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب جبهة العمل الإسلامي، رحبوا بتفعيل هذا القانون وإعماله بضغط من الرعب الذي سببته جائحة "كورونا" دون أن يُدركوا أنه قد يفتح الباب أمام إجراءات وسياسات غير مرضية للكثيرين.

المهم الآن أن إغلاق نقابة المعلمين واعتقال القائمين عليها كان متوقعاً لسببين، الأول هو أنَّ النقابة نفذت أطول وأخطر إضراب عن العمل في تاريخ الأردن، وهو الإضراب الذي استمر نحو ستة أسابيع وعطل بدء العام الدراسي الماضي بشكل غير مسبوق، واضطرت الحكومة من أجل إنهائه للاستجابة لمطالب المعلمين التي كان من بينها تقديم اعتذار علني لهم.

من يعرف الأردن يعلم أن "الإضراب عن العمل" أو الاعتصام المفتوح هو خطوط حمر لا يمكن أن تقبل بها الدولة ولا أجهزتها الأمنية، ومن يقرأ تاريخ الأردن يفهم هذه القاعدة جيداً، إذ لم تتردد الحكومة في استخدام القوة عندما نفذ حملة شهادات الدكتوراه "اعتصاماً مفتوحاً" رغم أن عددهم كان محدوداً وليس معطلاً، كما سبق أن استخدمت أجهزة الأمن القوة أكثر من مرة في احتجاجات نفذها طلبة جامعات، وكان قرار استخدام القوة يتم اتخاذه عندما يصبح الاحتجاج معطلاً للعملية التعليمية أو لحركة المرور أو عندما يطول أمده زمنياً.

في الأردن لم يحدث أن لجأت أية نقابة للإضراب عن العمل، كما لم يحدث منذ تأسيس الدولة أن قررت أية حركة سياسية أو حزبية الدعوة للإضراب عن العمل، ذلك أن هذا كان خطاً أحمر تجاوزته نقابة المعلمين، وكان واضحاً يوم السادس من أكتوبر 2019 عندما انتهى الإضراب بأنها -أي النقابة- ستدفع ثمن ذلك لاحقاً.

أما السبب الثاني لما حدث، فهو أنَّ مطلب رفع رواتب المعلمين وبالرغم من كونه مطلبا عادلا ومُحقا، إلا أنه لم يكن قابلاً للتطبيق، وكان الأجدر بالنقابة قبل أن تلجأ إلى التصعيد وإعلان الإضراب عن العمل أن تستشير خبراء اقتصاديين لمعرفة ما إن كانت الدولة تستطيع أصلاً الوفاء بهذه المطالب أم لا، إذ ثمة فرق بين أن تكون الحكومة لا تريد الاستجابة للمطلب وبين أن تكون غير قادرة على الاستجابة له.. ثمة فرق كبير وجوهري.

المعلمون اتفقوا مع الحكومة في الأردن على زيادات في الراتب تتراوح بين 35% و65%، وواقع البيانات الاقتصادية في الأردن يؤكد أن الحكومة لا يمكن أن تفي بهذه المطالب ولا أن تلتزم بهذا الاتفاق، لأنه سوف يؤدي الى مضاعفة العجز في الموازنة في أفضل أحواله، أي سيؤدي الى ارتفاع العجز بنسبة تصل الى 100%، هذا في الوقت الذي يعاني فيه الأردن من عجز مالي كبير وأزمة بدأت منذ سنوات وتفاقمت مؤخراً بسبب "كورونا".

طبعاً الحكومة نفذت اتفاقها مع نقابة المعلمين مطلع العام الحالي لمدة شهر واحد أو اثنين ثم بدأت أزمة "كورونا" فتراجعت عنه، وأغلب الظن أن حل النقابة يأتي لتجنب تكرار ما حدث العام الماضي.

خلاصة القول، هو أنَّ الحكومة في الاردن تستقوي بقانون الدفاع لتبدأ الانتقام من نقابة المعلمين، لتكون بذلك قد بدأت تدفع ثمن أمرين، الأول إضراب عن العمل تجاوز الخطوط الحمر في اللعبة السياسية السائدة منذ تأسست الدولة الأردنية، وهو الاضراب الذي انتزع حقوق المعلمين لكنه أغضب الحكومة وأجهزتها الامنية، أما الامر الثاني فهو أن النقابة تطلب زيادة في الرواتب لأعضائها لا يمكن لموازنة الدولة أن تفي بها خاصة مع الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بسبب "كورونا".