نبيل البكيري

مثّل اللقاء الذي جمع لأول مرة قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإسلامي) بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، رجل الإمارات الأقوى، الذي يقدّم نفسه على أنه عدوّ الإسلاميين الأول في المنطقة، حالة من الارتباك والحيرة لدى متابعين كثيرين للمشهدين، اليمني والإقليمي، ومن هم على اطلاع تام على طبيعة العلاقة التي يعلنها محمد بن زايد تجاه كل ما يُسمى الإسلام السياسي الذي تصنفه الإمارات جماعاتٍ إرهابية أيضاً.
ما الجديد الذي يمكن أن يضيفه هذا اللقاء الذي عقد في الرياض للمشهد اليمني المليء بالتعقيدات، وهل تجاوز محمد بن زايد عقدة الإسلاموفوبيا، وهل يمكن أن تصمد تفاهماتهم في ظل حالة الشيطنة الإعلامية التي يتولاها الإعلام المموّل إماراتياً تجاه كل ما له علاقة بثورة الربيع العربي وحوامل هذه الثورات.
لم يكن اللقاء مصادفة، ولا بدون أي مقدمات، وإنما كان له إعداد واضح ورعاية تامة من ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الذي التقته قيادات «الإصلاح» في تشرين الثاني الماضي. وربما طرح المجتمعون مع محمد بن زايد مسألة سوء الفهم تجاههم منه تحديداً، وحالة الشيطنة التي تنالهم من الإعلام المموّل إماراتياً وسعودياً، وربما كانت كل هذه المسائل التي ظلت توسّع الفجوة بين الطرفين محور النقاش أيضاً. 
كان اللقاء خطوة مهمة للطرفين، لتبديد حالة الشك المبالغ فيها تجاه حزب الإصلاح، في ضوء التطورات التي استجدت أخيراً في صنعاء، ومنها التهام جماعة الحوثي شريكهم في الانقلاب، الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي كان على علاقة قوية بالإمارات، وبمقتله فقدت أهم ورقة لها في المشهد السياسي اليمني.
لكن هل يمكن اعتبار هذا اللقاء بداية حقيقية لتحالف حقيقي بين التحالف العربي مع القوى الفاعلة في المشهد اليمني المنضوية في إطار الشرعية، خصوصاً حزب الإصلاح الذي تحوّل إلى شمّاعةٍ لبعض الأطراف، ترمي فوقه كل فشلها، عدا عن التخبط الذي وقع فيه التحالف طوال السنوات الثلاث الماضية؟ وهل فعلاً تجاوزت الإمارات أخيراً عقدتها الكبيرة تجاه حزب «الإصلاح» الإسلامي؟
من المبكر الحديث بتفاؤل كبير عن نتائج هذا اللقاء، ما لم تترجم تفاهماته التي لم يُعلن منها شيء، خاصة أنها مجرد تكهنات وتخمينات، فالمطلوب ابتداءً معرفة ماهية هذه التفاهمات وطبيعتها، ومدى مباشرتها جذر الإشكال القائم في ما يتعلق بانعدام الثقة بين الطرفين، وكيف يمكن تعزيز هذه الثقة وتبديد المخاوف التي يضخّمها الردح الإعلامي من وسائل إعلام مقرّبة من الإمارات بدرجة رئيسية ضد كل ما له علاقة بالإسلاميين، وثورات الربيع العربي عموماً.
لكن في المجمل العام، مثّل اللقاء نقطة تحول مهمة في مسار الأزمة والحرب في اليمن، وإلى أي مدى هذا التحول، هو ما ينبغي أن تجيب عليه الأسابيع والشهور المقبلة، من خلال نتائج ملموسة في شكل التحالفات السياسية والمعادلة العسكرية على أرض المعركة، ما يتطلب تجاوز وإيقاف الشيطنة الإعلامية لحزب الإصلاح في وسائل الإعلام الإماراتية التي تشن حملات عليه وعلى كوادره وقياداته، فتزيد الشكوك والمخاوف، وتعمل على زيادة الفجوة والتوجسات بين طرفين شريكين في معركة مصيرية، تحتاج جهوداً كبيرة من الوحدة والانسجام والتكامل.
أولى خطوات أي تقارب حقيقي بين أبوظبي وحزب التجمع اليمني للإصلاح هي تطبيع الأوضاع في العاصمة المؤقتة عدن، وعودة الطاقم الحكومي والرئاسي إليها، وممارسة مهامهم منها. حينها فقط، يمكن الحديث عن تغيّر في مواقف الإمارات، والتحالف العربي عموماً، ليس فقط تجاه حزب الإصلاح، باعتباره مكوناً في الشرعية، بل تجاه اليمن كله. فما يمارسه هذا التحالف، والإمارات تحديداً، من سياسات في المناطق المحرّرة، يبني مزيداً من الشكوك والمخاوف التي لا تترك لأحد أي تفاؤل على الإطلاق، وهي لا تخدم سوى المشروع الإيراني الذي يتمدد بفعل أخطاء وخطايا من يقدّمون أنفسهم خصوماً له، وعدم قدرتهم على تقديم تجربة مشـرّفة وناجحة في مناطق الصراع. إنها سياساتٌ تتطلب وقفةً حقيقيةً، تتضافر فيها كل الجهود، وتتّحد فيها كل التوجهات والتيارات في معركةٍ مصيرية وتاريخية، إما أن تكون فيها المنطقة أو لا تكون.
أما مخاوف بعض القوى السياسية اليمنية من «خطورة» هذا اللقاء، بدعوى أنه يمثل عملية استقطاب خارج هيكل الشرعية اليمنية، في معركةٍ وطنيةٍ تتطلب وحدة كل مكونات الشرعية، فإنها مبالغ فيها، بالنظر إلى قداسة الشرعية في أدبيات حزب الإصلاح السياسية والإعلامية والنضالية، واعتباره الشرعية من ثوابت الوطنية اليمنية التي يقدّم من أجلها كل تضحياته. 
ويذهب بعض هذه القوى إلى أن لقاء محمد بن زايد كان يهدف إلى توحيد كل من حزب الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام، جناح صالح، الذي لم يتبيّن حتى اللحظة من هم ممثلوه الرئيسيون في المشهد السياسي الراهن، وإن كانت الإمارات قد أرسلت عدة رسائل بشأن «المؤتمر»، من خلال الحديث عن دور محتمل لنجل صالح المقيم في الإمارات، وكان قائد الحرس الجمهوري، وكشفت الأحداث في صنعاء أخيراً عن انتهاء هذه القوة وذوبانها في الحالة الميليشياوية الحوثية.
وهناك مخاوف أخرى بين أطرافٍ محسوبةٍ على «الإصلاح» نفسه في ما يتعلق بإمكانية دفع الحزب شبابه وكوادره في معركة التحرير هذه لإسقاط الانقلاب، وزجّه في أتون معركة استنزافٍ بحتة، لا يكون فيها حسم حقيقي، بقدر ما تكون محرقة للحزب وناسه، وهذه مخاوف مشروعة أيضاً يجب أن تأخذها قيادة الحزب بالحسبان.
وفي أي حال، كان اللقاء خطوة جيدة ومطلوبة، وكلّف تأخرها اليمن والتحالف أخطاء استراتيجية كثيرة، لا مجال معها للمناورة والمراوغة، والدرس بعد ثلاث سنوات من الحرب يجب أن يكون قاسياً، خصوصاً أن الحرب كان مطروحاً لها في أقصى حدودها ثلاثة أشهر لإسقاط الانقلاب وإعادة الشرعية.
المخرج الحقيقي اليوم من هذه المعركة بنصر استراتيجي وتاريخي، يحفظ للمنطقة وجودها الجيوسياسي، لا مجال فيه إلا لمزيد من الوحدة، وتنقية الأجواء من عقد الشك والريبة، فاللحظة خطيرة، وتتطلب خطاباً مسؤولاً وعملاً استراتيجياً تتحد في إطاره كل الجهود والقوى الفاعلة في المنطقة.}