أسامة أبو ارشيد

إذا كان ثَمَّةَ من لا يزال يتساءل عن أسباب عجز المملكة العربية السعودية، وما يسمّى «التحالف العربي» الذي تقوده، عن حسم معركة اليمن مع الحوثيين، على الرغم من مرور ثلاث سنوات على انطلاق عملية عاصفة الحزم العسكرية، فلينظر إلى ما يجري في عدن اليوم من انقلاب على «الشرعية» التي تخوض السعودية الحرب في اليمن بذريعتها. ولنأخذ هنا بالتوصيف الذي أطلقه رئيس الوزراء اليمني، أحمد عبيد بن دغر عن أحداث عدن: «هناك في صنعاء يجري تثبيت الانقلاب على الجمهورية، وهنا في عدن يجري الانقلاب على الشرعية ومشروع الدولة الاتحادية». ثمّ يطلق بن دغر صرخةً، يناشد فيها المنطق عند من لا منطق لديهم: «لا ينبغي أن تذهب جهود العرب ودماؤهم في اليمن إلى سقوط الوحدة وتقسيم اليمن، وهذه جريمتها لا تقل فداحةً عن جريمة الحوثيين في صنعاء». 
ذهبت مناشدات بن دغر، ومناشدات رئيسه عبد ربه منصور هادي، أدراج الرياح، فقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً، تسيطر على معظم مناطق عدن، وهي تحاصر مقر إقامة الحكومة المدعومة سعودياً، أو هكذا يفترض، في المعاشيق، بدعم وإسناد إماراتي كامل. بل ما كان لهذه القوات أن تسيطر على عدن، وتهزم قوات الحرس الرئاسي وقوات الحكومة اليمنية، لولا تدخل الطائرات والمدرعات الإماراتية. وقد جرى ذلك كله ويجري في حين تقف السعودية من دون فعل، اللهم إلا مناشدات تطلقها هي الأخرى، تنادي بتحكيم لغة العقل والمنطق! فكل شيء يجري تحت ناظريها، وبتحريضٍ من حليفها الإماراتي، والكل يعلم أن السعودية قادرةٌ على لجم التوتر في عدن، إن أرادت. 
تعيدنا الأوضاع في عدن إلى سؤالٍ لم يغب يوماً عن المشهد اليمني، أو حتى اللبناني أو   السوري أو العراقي. لماذا تنجح إيران وتفشل السعودية؟ والجواب ببساطة أن إيران دولة تملك رؤية إقليمية استراتيجية، وتعرف كيف توظف أدواتها، كما أنها حليفٌ موثوقٌ، ويمكن الاعتماد عليه بالنسبة لهم. قارن ذلك بالسعودية التي أطلقت عملية عسكرية، بذريعة التصدّي للخطر الإيراني على حدودها الجنوبية، وذلك بعد أن خسرت حدودها الشمالية في العراق. ولكن مجريات الأحداث في اليمن اليوم أثبتت أن السعودية لم تنطلق من رؤية استراتيجية، ولا حتى من هواجس جيبوليتكية، بقدر ما أنها كانت تدشيناً لصناعة الزعامة الصاعدة في المملكة لوليِّ العهد، محمد بن سلمان، الذي أراد الحرب اليمنية استعراضيةً، تمهد الطريق له زعيماً قوياً للصعود إلى العرش، فانتهى الأمر بالمملكة مُسْتَهْلَكَةً بحرب استنزافٍ، تكاد تأتي على استقرارها الاقتصادي والأمني. 
وعلى الرغم من أن التورط السعودي في اليمن كان يكشف عن حقائقه المُرَّةِ يوماً بعد يوم، إلا أن السعودية بقيت تراوح ضمن مقاربة الفشل نفسها، فلا هي دعمت قوات الشرعية والمقاومة على الأرض بشكل جديٍّ، ولا هي حتى استفادت من الرئيس الذي يحظى بشرعية دولية، عبد ربه منصور هادي، والأدهى أنها أوجدت كارثة إنسانية غير مسبوقة في اليمن، وصلت إلى حدَّ المجاعة وانتشار أمراض ظنها العالم قد انقرضت في بلادنا، دع عنك الدمار الرهيب الذي أحدثته، ما جعل العالم يدينها، ويدين تحالفها بأقسى العبارات. ولا يبدو أنها في وارد تحقيق انتصارٍ على الحوثيين، وداعمهم الإيراني هناك. 
يقود ما سبق إلى الدور المريب الذي تلعبه الإمارات في اليمن، فهي بحق أحد جذور المشكلة فيه. لم يكف الإمارات سيطرتها على موانئ اليمن وجزره الاستراتيجية، بل إنها تريد سلخ   جنوبه عن شماله، كما أنها تريد تنصيب أزلامها في ذلك البلد المنكوب، بما في ذلك أولاد الرئيس المخلوع، الراحل، علي عبد الله صالح. وفي حين تنهب الإمارات اليمن وثرواته، تَسْتَنْزِفُ السعودية ثرواتها فيه. حتى عدن، المفترض أن تكون تحت الوصاية السعودية، تُحْدِثُ الإمارات فيها قلاقل تضعف الموقف السعودي، ومع ذلك تبدو المملكة كأنها قد سَكِرَتْ إلى حد الثمالة. السلوك السعودي، والذي وصل إلى حَدَّ صدور إشارات عنها بالقبول بتقسيم اليمن، إلى شماليٍّ وجنوبيٍّ، كما عبر عن ذلك رجل الاستخبارات السابق أنور عشقي، يدل مرة أخرى على أن السعودية لا تملك أي تصور لما ينبغي أن يكون عليه حال اليمن مستقبلاً، ولا هي تعرف كيف تنتصر على إيران فيه، ودفع خطرها عنها. 
التخبط الذي تعرفه سياسات السعودية، إقليمياً وداخلياً، ينبغي أن يضع العقلاء في المملكة أمام الحقيقة. إلى أين تمضي السعودية وإلى أين تقود المنطقة؟ في الساحة الفلسطينية، بما في ذلك القدس. في حصار قطر، ثمة عبث آخر. وفي سورية واليمن ومصر.. إلخ. حتى في داخل المملكة انهارت شرعية حكم العائلة لصالح حكم الفرد. ومن يتفحص المشهد بدقة يجد أن الإمارات حاضرة في كل ملفات تخبط السعودية وتوريطها محلياً وإقليمياً. نجحت الإمارات في اختراق نخب الحكم والدعاية في المملكة.}