عثمان المختار

نجحت القوات العراقية مدعومة بمليشيات «الحشد الشعبي» وبغطاء جوي أميركي، في تحرير مدينة الفلوجة، بعد قتالٍ ضارٍ استمر 26 يوماً، أسفر عن سقوط آلاف القتلى والجرحى، لتتحوّل الأنظار إلى ما بعد هذه المعركة، وسط ترجيحات تشير إلى أن الموصل ستكون الوجهة المقبلة للحرب ضد «داعش». لكن تحرير المدينة لا يعني نهاية مأساتها، إذ أسفرت المعارك والقصف منذ سيطرة التنظيم عليها مطلع عام 2014 عن دمار كبير فيها، إضافة إلى وجود تخوّف من حصول انتهاكات بحق أهل المدينة، وتساؤلات عن مستقبل آلاف الأشخاص الذين تهجروا من الفلوجة ويعيشون في العراء.
واستعادت القوات العراقية ومليشيات «الحشد» الفلوجة، بعد قتالٍ بدا خلاله التفاهم الأميركي الإيراني على أشدّه، إذ شاركت في المعارك وحدات الحرس الثوري الإيراني وفصائل حزب الله والخراساني العراقيتين، المرتبطة بمكتب المرشد علي خامنئي بالمعركة. وحشدت الحكومة العراقية 43 ألف مقاتل نظامي ومليشياوي للمعركة، في أكبر حملة عسكرية يشهدها العراق منذ الاحتلال الأميركي للبلاد في آذار 2003.
وأكد قائد عمليات الفلوجة الفريق عبد الوهاب الساعدي «أن القوات العراقية استعادت الفلوجة وباتت تحت السيطرة»، لافتاً إلى أن «دفاعات داعش انهارت في أغلب المناطق، ولديه جيوب ضعيفة. 
من جهته، قال العقيد في الجيش العراقي سالم الفلاحي إن «الفلوجة التي كانت واحدة من أغنى مدن العراق وأجملها باتت خراباً بسبب داعش أولاً وأخيراً». وأضاف: «مدينة خرجت عن سلطة الدولة من الطبيعي أن تتم استعادتها مهما كلف الثمن». وحول الوضع العام في المدينة، لفت الفلاحي إلى أن «هناك جثث مدنيين منتشرة في الشوارع وتحت الأنقاض لأطفال ونساء ورجال، وبعض الجثث تعفّنت ولم تدفن». أما عن عناصر «داعش» فقال إن «الكثيرين منهم هربوا، والأجانب منهم فجروا أنفسهم أو ما زالوا مختبئين في المدينة».
أما الشيخ سعد العسافي، القيادي في مجلس العشائر المنتفضة ضد «داعش» المؤلف من نحو أربعين عشيرة تشارك في جهود تحرير المدن العراقية من التنظيم، فقال  إن «مشهد الفلوجة بات مألوفاً في كل المدن العراقية، إذ يدخل داعش المدينة بعد هروب الجيش أو بسبب خيانة وما أكثرها في العراق، فيهرب السكان إلى الخيام وتتلقفهم مليشيات الحشد تعذيباً وقتلاً، فيما ترفض حكومة بغداد إدخالهم إلى عاصمتهم وتفرض عليهم شروطاً شبيهة بشروط الحصول على تأشيرة دخول لدولة ما، ثم بعد أشهر قليلة يحشد الجيش والمليشيات قواته فيهاجمون المدينة ويدمرونها بالكامل وينسحب داعش منها». وأسف العسافي لهذا الأسلوب «القريب ليكون استلاماً وتسليماً»، معتبراً أن «داعش بات أداة معروفة ولصالح من تعمل».
استرداد الفلوجة جاء بفاتورة باهظة، مع سقوط آلاف القتلى والجرحى من الجيش والمليشيات على مدى أيام المعركة، وفق ما تكشفه مصادر عسكرية عراقية في وزارة الدفاع ببغداد. وقال عميد في الجيش العراقي، إن «كلفة الحرب على الفلوجة تجاوزت ستة آلاف قتيل وجريح من الجيش والشرطة والمليشيات»، موضحاً أن «غالبية الضحايا من المليشيات، سقطوا في محاور الكرمة والصقلاوية والنعيمية»، لافتاً إلى أن «المعركة قُتل فيها ما لا يقل عن 800 عنصر من تنظيم داعش»، فيما بلغ عدد الضحايا من أهل الفلوجة 13 ألف مدني بين قتيل وجريح، منذ سقوط المدينة بيد «داعش» مطلع العام 2014 عقب هروب الجيش منها واستسلام الشرطة المحلية لها، من بينهم خمسة آلاف قتيل غالبيتهم من النساء والأطفال، وفق إحصائية لمستشفى الفلوجة.
ومع تحرير المدينة، بدأت تساؤلات تُطرح حول الوجهة المقبلة للحرب ضد «داعش»، وكشف قائد عمليات الجيش في نينوى (شمال العراق) اللواء نجم الدين كريم الجبوري، أن «الهدف المقبل بعد الفلوجة هو الموصل، ونأمل أن يكون ذلك قبل نهاية العام الحالي».
واستبق رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري إعلان التحرير الرسمي للمدينة ببيان صحافي بارك فيه «تحرير مدينة الفلوجة من تنظيم داعش»، مؤكداً أن «عيوننا ترنو إلى نينوى»، قائلاً: «لقد تلقينا بشرى الانتصارات لقواتنا المسلحة البطلة، التي تكللت برفع علم العراق فوق المجمّع الحكومي والقائمقامية في الفلوجة»، مشيراً إلى أن «تحرير الفلوجة نقطة فاصلة وبداية الانكسار التام لعصابات داعش».
ومع بدء توافد مسؤولي الحكومة إلى المدينة، تسعى حكومة حيدر العبادي إلى إظهار أنها وفت بوعدها بشأن منع دخول المليشيات إلى الفلوجة، غير أن صوراً أظهرت قيادات مليشيات «الحشد»: هادي العامري وقيس الخزعلي وأبو مهدي المهندس وسط الفلوجة وهم يلوّحون بالنصر، فيما رُفعت أعلام حزب الله وأبو الفضل العباس والعصائب على مبانٍ عدة من المدينة. بينما أشارت مصادر إلى عمليات حرق وسلب منظمة داخل الفلوجة، طاولت سوق الذهب وسوق البزارة وسوق الكماليات وحي السراي ومحلات ساحة بيروت وأحياء الأندلس والضباط والشرطة والمعلمين والمهندسين، وسرّب ناشطون صوراً لعمليات حرق المباني في المدينة، في الوقت الذي أظهرت صور أخرى جسوراً مدمرة على نهر الفرات ووسط الفلوجة.
مقابل ذلك، تبرز مخاوف على مستقبل أهالي الفلوجة. ووفقاً لمنظمة الحياة الدولية للإغاثة، فإن 25 ألف شخص خرجوا من الفلوجة في اليومين الماضيين، يقيم أكثر من 22 ألفاً منهم في العراء، حيث تم نصب خيام لهم في الصحراء الرابطة بين الفلوجة وعامرية الفلوجة جنوباً. وقال عضو المنظمة محمد حسين، إن «المساعدات نفدت منا وبتنا نعطي كل عائلة قنينة مياه واحدة، ولا طعام متوفراً، فالعدد الذي خرج كبير جداً ولم نكن نتوقع ذلك، ونحن نعمل مع المجلس النرويجي لإغاثة النازحين والأمم المتحدة وبعض رجال الأعمال المتطوعين على توفير ما نستطيع». وحول دور الحكومة بإغاثة النازحين، قال: «دورها التفرج والكذب المستمر لا أكثر». من جهته، أعلن مدير منطقة الشرق الأوسط لدى منظمة الصحة العالمية علاء علوان، أن سكان الفلوجة يعانون من أمراض جلدية وارتفاع ضغط الدم والاسهال وغيرها. وقال للصحافيين أمس إثر لقائه نازحين في مخيمات قرب الفلوجة، «إننا قلقون من حالات شلل الأطفال وقد بدأنا برنامج تلقيح على نطاق واسع».