العدد 1362 / 15-5-2019

أمين حبلا

دخلت الحرب الدائرة منذ سنوات بين السعودية والحوثيين في منعطف جديد، بعد إرسال الحوثيين سربا من طائراتهم المسيرة فشلت الدفاعات الصاروخية في اكتشافه ليصيب أهدافه ويضرب منشآت نفطية حساسة.

ولم تتأخر جماعة أنصار الله الحوثية، فقد قطعت الشك باليقين وأعلنت سريعا مسؤوليتها عن الهجوم على منشآت نفطية سعودية، في تحدّ جديد يضاف إلى مئات الصواريخ التي أمطرت بها الجماعة مناطق متعددة في السعودية، فيما تعتبره ردا على العدوان السعودي والإماراتي على الشعب اليمني.

وجاء الهجوم الجديد بعد يومين فقط على هجوم آخر على ناقلات نفط بالقرب من ميناء الفجيرة، لم تتضح حتى الآن الجهة المسؤولة عنه، ووجهت وسائل إعلام تابعة للسعودية والإمارات أصابع الاتهام بشأنه لإيران، كما تحدث مسؤول أميركي عن اتهام مشابه واتهام آخر لوكلاء إيران بالمنطقة في إشارة إلى الحوثيين.

بيد أن ما يجمع بين الهجومين اللذين يأتيان في سياق متوتر وفي حالة شحن وتحشيد غير مسبوقة في الخليج، أنهما استهدفا نفط السعودية والإمارات -منشآت أو ناقلات- وأنهما وقعا -جغرافيا- بعيدا عن مضيق هرمز الذي تزمجر حوله إيران وترسل من بين الحين والآخر تهديدات بأن بإمكانها تهديد نفط العالم كله، وإغلاق شريان هرمز الضيق أمام ناقلات النفط وحركة الملاحة العالمية.

ماذا وراء الهجومين؟

في الهجوم الأول على سفن الفجيرة توارى الفاعل خلف مياه الخليج العميقة، ولكن رسائله بدت واضحة ومكتوبة بخطوط عريضة وألوان فاقعة، وفي الهجوم الثاني بدا الفاعل والرسالة واضحة دون مواربة ولا مواراة.

ورغم الاختلاف بين الهجومين -خصوصا من جهة وضوح الفاعل- فإن أهم رسائلهما افتراض صلة إيران بالثاني وهو ما تنفيه حتى الآن:

- الحرب شاملة: أولى الرسائل وأكثرها وضوحا تؤكد أن لا مساحة هدوء في منطقة الخليج إذا اندلعت الحرب بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وأن اللهب سيطال كل العواصم ولن تكون إيران المتضرر الوحيد، خصوصا أن جماعة الحوثي أصبحت منذ فترة جزءا من الأزرار المتحكم فيها إيرانيا وفق ما يعتقد خصومها.

- حرب على الخطوط الآمنة: ما يجمع بين سفن الفجيرة وخط "شرق غرب" بالسعودية هو أن النفط الذي ينقل عبرهما لا يمر على مضيق هرمز، فميناء الفجيرة هو الميناء الإماراتي الوحيد المطل على خليج عمان، وهو الميناء الوحيد في الإمارات الذي يستطيع نقل نفط الخليج دون المرور عبر مضيق هرمز الذي تتحكم فيه إيران.

كما أن خط الأنابيب "شرق غرب" ينقل النفط من المنطقة الشرقية لتصديره عبر موانئ على البحر الأحمر، بعيدا عن الخليج ومنطقة مضيق هرمز حيث تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.

ويبلغ طول خط الأنابيب نحو 1200 كلم، ويمر عبره خمسة ملايين برميل نفط يوميا على الأقل، من المنطقة الشرقية الغنية بالخام، إلى المنطقة الغربية على ساحل البحر الأحمر، ويمنح النفط السعودي مسربا جديدا لا سلطة لإيران عليه.

ومن الواضح أن استهداف هذين الموقعين -إذا افترضنا أن جهة الاستهداف تصدر من مشكاة واحدة- يعطي رسالة بليغة وواضحة أن لا خطوط آمنة لنقل نفط الخليج بعيدا عن هرمز، فقد تصبح كل تلك الخطوط متقطعة بسبب تهديدات الحوثيين وطائراتهم المسيرة التي قد تأتي بما لا تشتهيه "السفن الخليجية".

- رسائل بالفارسية: يحرص الحوثيون على تأكيد أن الرسائل التي حملتها طائراتهم هي رسائل محلية محملة بالأبعاد الذاتية للصراع اليمني، ولكن الواقع أن بعدها الأبرز والأهم متعلق بحالة التوتر الجديدة في الخليج بين إيران مع واشنطن وحلفائها في الخليج.

والأرجح أن الرسالة وصلت، ولن يحتاج السعوديون إلى مترجم لفك شفرتها، وليس من الوارد اختصار الأمر في حالة الصراع بين السعودية والحوثيين، فالأصابع الإيرانية واضحة في أسطر الرسالة المكتوبة بلهب الهجوم والنيران.

تضررت ناقلات سعودية وإماراتية من ضربات الطائرات المسيرة، ولكن الذي تضرر أكثر هو الإستراتيجيات الاقتصادية للبلدين اللذين يضيفان كل يوم لائحة جديدة من الخصوم والأزمات، ويفتحان في كل يوم خطوطا جديدة تعبرها ناقلات أزمات متعددة.