العدد 1382 / 16-10-2019

طوال الأيام الأخيرة من التظاهرات، بدا "الفساد" عنوانا بارزا أخرج العراقيين إلى شوارع العاصمة بغداد، ومدن أخرى، احتجاجا على ممارسات يرون أنها تستنزف ثروة بلادهم الغنية.

ولم تكن تظاهرات أكتوبر 2019، الأولى من نوعها ضد الفساد في العراق، فقد شهدت مدينة البصرة جنوبي البلاد خلال صيف 2018، مظاهرات مشابهة نددت بسوء الخدمات العامة والفساد، وطالبت بفرص عمل وإصلاحات في أجهزة الحكومة.

لكن المظاهرات الاخيرة، هي الأكثر دموية بشكل واضح، إذ أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة الآلاف بجروح، وفق إحصاءات رسمية، وذلك خلال حركة احتجاجية غير مسبوقة في بغداد ومحافظات جنوبية عدة، نددت بالأداء الحكومي، طالبت بمحاكمة الفاسدين ومحاربة البطالة وتقديم الخدمات العامة.

وشهدت التظاهرات التي انطلقت الاسبوع الماضي أعمال عنف وإطلاق نار وحرق لعدد من مقار الأحزاب السياسية، التي يتهمها المتظاهرون بالوقوف وراء أعمال الفساد في البلاد.

وفي المقابل، اتهمت السلطات العراقية "قناصة مجهولين" بإطلاق النار على قوات الأمن والمدنيين.

والسبت أصدرت الحكومة العراقية سلسلة قرارات وصفتها "بالمهمة"، خلال جلسة استثنائية عقدت برئاسة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ردا على مطالب المشاركين في الاحتجاجات.

وتضمنت القرارات الجديدة 17 فقرة، أبرزها تسهيل الحصول على أراض سكنية، وبناء وحدات جديدة، إضافة إلى منح 175 ألف دينار (نحو 145 دولارا) شهريا للعاطلين عن العمل، لمدة ثلاثة أشهر.

كما تضمنت القرارات إنشاء "مجمعات تسويقية" حديثة بمناطق تجارية في بغداد والمحافظات.

وتبدو حزمة "القرارات التصحيحية"، موجهة بشكل واضح لتحسين حياة المواطنين، وتخفيف آثار الفساد الذي ينهش الجسد العراقي.

فرغم غنى البلد بالثروات، لا يستطيع كثير من العراقيين توفير لقمة العيش، وقد احتل المرتبة الثانية عشر في لائحة الدول الأكثر فسادا في العالم، حسب تقارير منظمة الشفافية الدولية.

فساد ابتلع مئات المليارات

مسيرة فساد "بلعت" مليارات الدولارات، إذ تفيد التقارير أنه، ومنذ عام 2003، خسرت البلاد جراء عمليات الفساد نحو 450 مليار دولار.

أما البطالة فقد بلغت مستويات متفاقمة، وقدرها الجهاز المركزي للإحصاء في بغداد هذا العام بنحو 23 بالمئة، في حين أعلن صندوق النقد الدولي منتصف العام الماضي أن معدل بطالة الشباب قد بلغ أكثر من 40 بالمئة.

وبحسب وزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية فإن الموارد النفطية للعراق تشكل 89 بالمئة من ميزانيته، وتمثل 99 بالمئة من صادراته، لكنها تؤمن 1 بالمئة فقط من الوظائف في العمالة الوطنية.

ورغم أن حجم احتياطيات النفط في العراق يصل إلى نحو 112 مليار برميل، فإن الفقر يطارد نحو ربع العراقيين، إذ تزيد نسبته عن 22 بالمئة، ويصل في بعض محافظات الجنوب إلى أكثر من 31 بالمئة.

ويعاني الاقتصاد العراقي مشكلات أخرى كثيرة، كانعدام الصناعة، وانهيار البنية التحتية، وضعف أداء القطاع الزراعي، والتجاري، وتفاقم المشكلات الأمنية وضعف قطاع القانون.

ووفق تقرير مطول لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى نشر قبل أشهر، فقد قدرت إحدى الدراسات العراقية أن الفساد المالي يستنزف نحو 25 بالمئة من المال العام.

المحاصصة

وغالبا ما يشير المعلقون السياسيون العراقيون إلى أن السبب الرئيسي للفساد في البلاد هو "الطائفية" وتوزيع المراكز الرسمية أو الحكومية بين الجماعات السياسية والطوائف بموجب ما يعرف بالمحاصصة.

ويؤكد بعض هؤلاء أن المحاصصة جعلت الفساد "أمرا عاديا" في المؤسسات العراقية، ورسخته في النظام السياسي، حسب تقرير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.

ويدعي آخرون أن الأحزاب السياسية في العراق تتلاعب بالنظام التوافقي لتحقيق مصالحها الذاتية.