محمد أحمد حمود

الحشود العسكرية تتدفق من كل حدب وصوب نحو الموصل تحت شعار «القضاء على الإرهاب» في أبرز معاقله، لكن لكل حشد قضيته ومراميه، فالوحدات المحتشدة لا تحمل السلاح فحسب بل أيضاً المشاريع المتناقضة والمتعارضة.
وسائل الإعلام تحدثت عن مشاركة سبعة تشكيلات مسلحة نظامية وغير نظامية في العملية وهي: البشمركة، الحشد الشعبي «الشيعي»، الجيش النظامي، الحشد الوطني «السنّي»، جنود أتراك، حزب العمال الكردستاني، علاوة على التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
المدينة ومحافظتها (نينوى) التي تأتي في المركز الثاني بعد بغداد من حيث عدد السكان، إذ يبلغ عدد سكانها حوالي مليوني نسمة، ويفصلها عن بغداد حوالي 465 كلم، ستكونان مختبراً لكل أنواع النزاعات والحسابات الفئوية. فالحشد الشعبي له رؤيته الإيرانية، وهي مكونة بشكل رئيس من متطوعين شيعة وميليشيات تدعمها إيران التي لا تريد للتركي أن يكون شريكاً لها في صنع قرار العراق، وبوجود حلفائها هناك تسعى إلى استعادة طريق التواصل البري بينها وبين سوريا بالسيطرة على تلعفر، معقل التركمان والممر الاجباري الذي قطعه داعش.
 ومن الواضح ان ظاهر رؤية العرب السنّة وباطنها يتقاطعان مع الرؤية التركية، التي لا تريد حماية التركمان وحلفائها من سنّة المدينة فحسب، بل أيضاً اخراج حزب العمال الكردستاني من سنجار لإضعافه في شمال العراق والحد من توسع النفوذ الإيراني إلى مناطق في أقصى الشمال العراقي على الحدود مع تركيا.. في حين لا يخفي الأكراد سعيهم إلى مد اقليمهم شبه المستقل على أوسع رقعة جغرافية ممكنة، تشمل الماء والنفط، حيث  نشرت قيادة البيشمركة الكردية تفاصيل مشاركة قواتها في انطلاق عملية واسعة النطاق شرق الموصل، مع القوات العراقية من القيارة، جنوب الموصل. كما تتطلع الأقليات الأخرى إلى إقليم خاص يحظى ضمناً بحماية دولية. 
في الموصل ونينوى لا يمكن تجاهل صراع النفوذ بين تركيا وإيران، فإن مَن يحظى بحصّة في المدينة ومحيطها يحظى بحصّة في بغداد وقرارها وحكومتها، لا بل أيضاً يحظى بمقعد على طاولة التفاوض على الإقليم. وفي الموصل أيضاً، لا تسعى واشنطن إلى استعادة دورها الملتبس في العراق، بل إلى إقامة توازن فاعل مع الدور الروسي في سوريا من طريق التحكم بالممرات الحدودية والقدرة على التأثير في الشرق السوري السائب. في الموصل معركة معلنة على داعش، وفي خلفياتها حروب مستترة كثيرة.
الموصل هو المكان الذي تلفظ فيه الحرب على الإرهاب أنفاسها الأخيرة، وكذلك التحالفات التي نشأت في ضوئها، لتبدأ مرحلة جديدة وعناوين جديدة للصراع في سوريا والعراق أشد خطورة وحرجاً لكل القوى الإقليمية والدولية من السابق، فغياب داعش سيدفع نحو البحث عن مبررات جديدة أو تفسيرات حقيقية لطبيعة الصراع الدائر في العراق وسوريا تربك التحالفات وتزيد الأمور تعقيداً. والثمن الأكبر يدفعه المدنيون، حيث إن أكثر من مليون شخص يتعرضون للتهجير، و700 ألف شخص على الأقل يحتاجون إلى مساعدة بتوفير ملاجئ والمواد الغذائية الأساسية، بحسب مندوب المفوضية العليا للأمم المتحدة للاجئين في العراق برونو غيدو.