العدد 1473 /11-8-2021

إيمان الحامدي

يضع الإنجاز السريع لقانون مالية تعديلي والإعداد لقانون المالية 2022 والتحديات الاقتصادية العديدة، تونس أمام أهم اختبار لحكومة ما بعد 25 يوليو/ تموز المكلفة بقيادة المالية العمومية من أجل تجنب سقوط تونس في التخلف عن سداد الديون الخارجية أو عدم قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها من دفع الأجور وتوفير نفقات التسيير، بالإضافة إلى المخاوف من تفاقم العجز المالي.

ويمثل البحث عن موارد تمويل عاجلة لسد فجوات الموازنة واحدا من أهم الملفات الكبرى المتروكة على طاولة وزيرة المالية الجديدة، سهام البوغديري، التي ستكون مطالبة بتعبئة ما لا يقل عن 18 مليار دينار (الدولار = نحو 2.8 دينار) من موارد لإعداد مشروع موازنة تعديلي للعام الحالي في غضون أسابيع قليلة.

وفي الأسبوع الماضي، أعفى الرئيس التونسي قيس سعيد، علي الكعلي، من مهامه وزيرا للاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار وكلّف سهام البوغديري بتسيير الوزارة.

وتأتي إقالة الكعلي في وقت ينتظر فيه التونسيون الكشف عن اسم رئيس الوزراء الجديد، عقب إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتجميد أعمال البرلمان بمقتضى تدابير استثنائية أعلن عنها الرئيس سعيد في 25 يوليو/ تموز الماضي.

وحسب مراقبين، فإنّ التأخر في تشكيل الحكومة وطرح خريطة طريق للاقتصاد كما وعد الرئيس التونسي منذ نحو أسبوعين، يثير مخاوف من قدرة الدولة على مواجهة المصاعب الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة.

وسهام البوغديري التي اختارها الرئيس سعيد لقيادة المرحلة الجديدة في وزارة المالية من أهم العارفين بالوضع المالي للبلاد باعتبارها من كوادر الوزارة التي عملت في مصالحها الجبائية لسنوات طويلة.

وطالب الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة الأكثر تمثيلاً) بالإسراع بوضع خريطة طريق اقتصادية تساعد في إخراج البلاد من أزمتها.

ودعا اتحاد الشغل إلى التسريع بتعيين رئيس حكومةِ إنقاذٍ مصغّرة ومنسجمة تكون لها مهمّات محدّدة عاجلة واستثنائية وتلبّي الاستحقاقات الاجتماعية من توفير الشغل ومحاربة الفقر والتهميش والتعويض عن فقدان مواطن الشغل والنهوض بالصحّة والتعليم وغيرها وتكرّس استمرارية الدولة خصوصاً في مستوى التزاماتها وحفاظها على المؤسّسات العمومية وثروة الشعب وتجابه باقتدار جائحة كورونا.

واعتبر أنّ التأخير في وضع خريطة طريق للمرحلة المقبلة سيعمّق الفراغ ويعسّر الخروج من الأزمة الاجتماعية والاقتصادية.

لكن رغم الدراية الكبيرة للوزيرة البوغديري بظروف المالية العمومية، يجمع خبراء الاقتصاد على أن مهمتها ستكون الأصعب في ظل شح كبير في التمويلات ومصادر دخل الموازنة نتيجة الانكماش التاريخي الذي تمر به البلاد وتراجع أغلب النشاطات المدرّة للجباية.

وفي هذا السياق، يقول الخبير المالي، معز الجودي، إن وزيرة المالية الجديدة مطالبة بإيجاد حلول للتحكم في الدين العمومي والبحث عن تمويلات جديدة لسداد عجز الموازنة من خارج الموارد الكلاسيكية لتعبئة الموارد الضريبية.

ويعتبر الجودي أن العديد من العوامل الداخلية والخارجية تجعل مهمة تونس في غاية الصعوبة والدقة، مشيرا إلى أن النشاطات الكبرى المدرة للضرائب تعرف تراجعا كبيرا في أنشطتها ما يؤثر على قدرة الدولة على تعبئة الموارد الداخلية.

يضيف الجودي في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ الدين الخارجي المنفلت والتزامات تونس بدفع كامل أقساط الدين المستحقة لهذا العام تزيد الضغوط على المالية العمومية والحاجة إلى التدخل المباشر من البنك المركزي لضخ السيولة وهي عوامل تدفع نحو انفلات التضخم ومزيد ارباك التوازنات المالية للدولة، بحسب قوله.

ويشدّد الخبير المالي، على ضرورة الخروج من النماذج الكلاسيكية لقوانين المالية السابقة ووضع فصول تساعد على توسعة الصحن الضريبي ومكافحة الفساد والتهرب الجبائي، معتبرا أن هذه الفصول يمكن أن توفر لخزينة الدولة موارد كبيرة شرط توفر الإرادة السياسية.

ويرجّح الجودي أن يساعد حصول تونس على نحو 700 مليون دولار من صندوق النقد الدولي نهاية أغسطس/ آب الحالي في إطار الترفيع في حقوق السحب، على تحسين وضع المالية العمومية، غير أنّه يشدّد على ضرورة التحرك الدبلوماسي للرئيس التونسي من أجل بحث حلول للمديونية الخارجية.

يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.8% هذا العام، مقارنة بانكماش قياسي قدره 8.2% متوقع في 2020. وتعاني المالية العامة التونسية من وضع صعب للغاية، إذ يتوقع أن يبلغ العجز المالي 11.5% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، وهو الأعلى منذ ما يقرب من أربعة عقود.

وتهدف ميزانية 2021 إلى خفض العجز المالي إلى 6.6%، لكنّ صندوق النقد الدولي قال في بيان عقب زيارة لتونس في يونيو/ حزيران الماضي إنّ هناك حاجة إلى إجراءات محددة لدعم هذا الهدف.

وتترقب دوائر القرار المالي مآل التدابير التي اتخذها الرئيس قيس سعيد ليل 25 يوليو/ تموز بتجميد البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، من أجل تحديد المفاوضين الجدد من الجانب التونسي بهدف استكمال خريطة التمويل الخارجي للموازنة التي صادق عليها مجلس نواب منذ ثمانية أشهر.

ويرفض الاتحاد العام التونسي للشغل وصفة الإصلاح الاقتصادية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي مقابل مواصلة تمويل الموازنة.

ويقول عضو المكتب التنفيذي للاتحاد، سامي الطاهري، إنّ هناك بدائل للإصلاح الاقتصادي خارج وصفات صندوق النقد الدولي التي تزيد من الضغوط على الطبقات الضعيفة.

ويؤكد الطاهري في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ الاتحاد العام التونسي للشغل قدم لحكومات سابقة برامج للإصلاح الاقتصادي تسمح بتعبئة موارد مالية مهمة للموازنة شرط توفر الإرادة السياسية لمكافحة التهرب الضريبي والاقتصاد الموازي وتفكيك شبكات الفساد.

ويقول إنّ تحسين التحصيل الضريبي يمكن أن يحد من الحاجة إلى القروض الخارجية التي تضع تونس تحت ضغوط دوائر القرار المالي العالمي.

والاثنين قبل الماضي، حذرت وكالة "فيتش" الأميركية للتصنيف الائتماني، من أنّ تدابير الرئيس قيس سعيّد، المتمثلة بتجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، قد تقلّل من استعداد الشركاء الغربيين لدعم بلاده.

من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي، رضا الشكندالي، أنّه من السابق لأوانه الحديث عن توجهات قانون المالية التعديلي أو قانون الموازنة لعام 2022 ما لم يعلن الرئيس سعيّد عن خريطة الطريق للمرحلة المقبلة مشيراً إلى أنّ السياسة الاقتصادية للمرحلة الجديدة التي يقودها سعيّد ستضع الخطوط العريضة للمشاريع الموازنة.

ويتابع الشكندالي في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ سعيّد كشف عن جزء من مشروعه بدعوة البنك المركزي والجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية لخفض نسب الفائدة إلى جانب حديثه عن مشروع قانون للصلح الجبائي مع رجال الأعمال الذين حصلوا على أموال بطرق غير قانونية.

ويرجّح الشكندالي أن تكون هذه النوايا التي أعلن عنها الرئيس جزءاً من خريطة التمويل للموازنة مستقبلا، مرجحا أن يكون هذا الأخير قد حصل أيضا على وعود من دول أجنبية بمساعدة تونس ماليا.

وقال الرئيس التونسي في لقاء جمعه مؤخرا، بمحافظ البنك المركزي، مروان العباسي، إنّه متأكد من قدرة تونس على تجاوز العقبات بفضل إرادة الشعب وأيضا الوقفة الصادقة للدول الشقيقة والصديقة لسدّ الاختلالات في التوازنات المالية ومساعدة تونس في الوفاء بالتزاماتها المالية الداخلية والخارجية.