د. محمد شندب

في 15 أيار 1948 م أعلنت بريطانيا نهاية انتدابها على فلسطين، وفي نفس اليوم أعلن المجلس اليهودي الصهيوني قيام دولة اسرائيل.. وفي نفس اللحظة اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الدولة، وبعد ثلاثة أيام اعترف بها الاتحاد السوفياتي؟
هكذا أقام الاستعمار الكيان الصهيوني  في قلب العالم العربي والاسلامي، ليكون الأخطبوط الجاثم على صدر الأمة ليمتص دماءها ويستولي على ثرواتها ويمنعها من ممارسة حقها في حياة كريمة كبقية شعوب الأرض. و السؤال الذي يطرحه شبابنا اليوم: كيف قامت دولة الصهاينة على أنقاض شعب فلسطين المظلوم؟ نحن جميعاً نؤمن بأن فلسطين والقدس هي أرض مقدسة ومباركة في شرعنا وديننا، قال الله تعالى على لسان موسى عليه السلام. >يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين< المائدة 21. وقال تعالى  عن إبراهيم عليه السلام الذي هاجر الى فلسطين: >ونجيناه و لوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين< الأنبياء 71.
وتأكيداً لمكانة فلسطين في الحياة الإسلامية، جعل الباري تبارك وتعالى قبلة المسلمين الأولى الى بيت المقدس، ثم كان الإسراء برسول الله | من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المبارك، لذلك كانت استراتيجية النبي | تركز على تحرير الشام عامة و فلسطين خاصة، لأنها كانت قبل الاسلام منطلقاً للأنبياء والمرسلين الذين حملوا دعوة الله إلى البشرية. وفي هذا الإطار تأتي معركة مؤتة وغزوة تبوك ضد الدولة الرومانية كتمهيد أمام المدّ الإسلامي نحو فلسطين. ولما تسلم أبو بكر الصديق قيادة الأمة تابع المسير على خطى النبي |، فوجه الجيوش الاسلامية الى العراق و بلاد الشام، ثم كانت معركة اليرموك التي أسقط فيها المسلمون الامبراطورية الرومانية. وأثناء تلك المعركة الفاصلة رحل أبو بكر الصديق الى ربه راضياً مرضياً، وحمل الراية عمر بن الخطاب الذي دخل إلى القدس وتسلم مفاتيحها من البطريرك صفرنيوس. وهكذا صارت الشام وفلسطين أرض الإسلام و المسلمين الى يوم القيامة.
لقد بقيت الشام و فلسطين تنعم بالأمن و السلام خمسة قرون متواصلة، حتى انقسم المسلمون على أنفسهم، فكانت الخلافة العباسية في العراق والدولة الفاطمية الإسماعيلية في مصر. فلما غرقوا في مستنقع الصراع والعداوة استفاد الصليبيون من الفرصة السانحة وسيطروا على أجزاء واسعة من الشرق الإسلامي. وفي سنة 492هـ احتلوا مدينة القدس بعد ان ارتكبوا فيها كل أنواع الفظائع والهمجية. 
بقي الصليبيون قرابة قرن من الزمن يعيثون فساداً و دماراً في بلاد الشام وخاصة في فلسطين، حتى ظهرت قيادة إسلامية جديدة استطاعت أن توحد الصف و تجمع الكلمة. لقد تمكن صلاح الدين الأيوبي ان ينهض بالأمة ويقضي على عوامل التفرقة والشرذمة. 
لقد جمع بلاد الشام و بلاد النيل  تحت قيادته،  ثم وجه الضربة للصليبيين في حطين سنة 583هـ، وهكذا عاد الاقصى وعادت القدس مركزاً للهداية والنور والتلاقي بين كل الحضارات الإنسانية. لكن الصراع بين المسلمين وقوى العدوان الخارجية لم يتوقف خلال عصور التفوق الاسلامي و خاصة في زمن الخلافة العثمانية، التي سيطرت على معظم أوروبة الشرقية، وبلغ نفوذها مشارف كييف وفيينا وروما.
لقد بقي المسلمون في العالم ينعمون بالقوة والعزة حتى القرن التاسع عشر، حيث بدأت الموازين العسكرية والسياسية تميل لصالح القوى الغربية. في هذه المرحلة بدأ اليهود في الشرق والغرب يخططون لاغتصاب فلسطين وإقامة دولتهم عليها بالتعاون مع كل أعداء الأمة الإسلامية.
في عام 1897م عقدت المنظمات اليهودية مؤتمراً في بال في سويسرا، وقررت فيه إقامة هذه الدولة بعد خمسين عاماً. لقد مارست بريطانيا والدول الغربية أقصى ما عندها من ضغوط سياسية واقتصادية ومالية على السلطان عبد الحميد الثاني كي يمنح اليهود قطعة من أرض فلسطين يعيشون فيها تحت حكم الدولة العثمانية، فرد عليهم قائلاً: اني لا استطيع ان أتنازل عن شبر واحد من الأراضي المقدسة لانها ليست ملكي بل هي ملك شعبي، وقد قاتل اسلافي من أجل هذه الأرض ورووها بدمائهم، فليحتفظ اليهود بملايينهم.. إذا مزقت دولتي من الممكن الحصول على فلسطين بدون مقابل، ولكن لا أوافق على تشريح جثتي وأنا على قيد الحياة.
عندئذ وضع هرتزل زعيم الحركة الصهيونية خطة تقول إن طريق القدس تمرّ باستانبول. وفي زمن التراجع العثماني نشطت الحركات القومية والعلمانية، واستطاعت جمعية الاتحاد والترقي بزعامة مصطفى كمال ان تستولي على السلطة وتقضي على الخلافة الإسلامية التي كانت تشكل مظلة واقية لفلسطين وبقية أنحاء العالم الإسلامي.
لقد سقط العالم الإسلامي عندما سقطت الخلافة العثمانية. وبعد الحرب العالمية الأولى استولت بريطانيا على فلسطين والخليج والعراق، كما استولت فرنسا على لبنان وسوريا والمغرب والعربي. وهكذا أصبحت الفرصة ذهبية لليهود الذين أخذوا يتقاطرون إلى فلسطين من كل بلدان العالم.}
وللبحث صلة