العدد 1695 /24-12-2025

أيمن إبراهيم

وسط معارك متواصلة وغارات متبادلة بالطائرات المسيّرة، طرحت الحكومة السودانية التي يقودها الجيش مبادرة جديدة لوضع حد للحرب المشتعلة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ ما يقارب ثلاث سنوات، خلفت آلاف القتلى والجرحى وموجات من النزوح واللجوء هي الأكبر في العالم، بحسب الأمم المتحدة. ومن غير المرجّح أن تدعم "الدعم السريع" المبادرة التي قدمها رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس على منبر مجلس الأمن في نيويورك، أول من أمس الاثنين، إذ إنها ستسلب هذه المليشيا نفوذها العسكري بعدما سيطرت على إقليم دارفور غربي السودان وأجزاء كبيرة من إقليم كردفان، وسط جنوبي البلاد، في وقت لم تصدر فيه أي مواقف من اللجنة الرباعية التي تضم مصر والسعودية والولايات المتحدة والإمارات على المبادرة الجديدة.

وبعد تحفظها سابقاً على خريطة طريق قدمتها اللجنة الرباعية إلى طرفي الحرب، الشهر الماضي، بسبب اتهامها الإمارات بمساندة "الدعم السريع"، قدمت الحكومة السودانية مبادرتها، مؤكدة أنها تهدف إلى دعم الجهود الدولية الرامية إلى إنهاء الحرب، وتأتي استكمالاً لخريطة الطريق التي سبق وقدمتها للأمم المتحدة في مارس/آذار الماضي. وشددت على أن المبادرة تستند كذلك إلى المبادئ الدولية وأوجه التكامل مع المبادرة الأميركية السعودية والمصرية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أثارت رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المعلنة في التدخل لإنهاء الحرب آمالاً في إحراز اختراق لم يتحقق، جراء رفض طرفي الحرب المبادرة الرباعية التي تشمل هدنة إنسانية لثلاثة أشهر. وفي مارس الماضي، تضمنت خريطة الطريق التي قدمتها الحكومة السودانية للأمم المتحدة، الانسحاب الكامل لمليشيا "الدعم" من ولاية الخرطوم (استعادها الجيش في مايو/أيار الماضي) وكردفان ومحيط الفاشر (عاصمة ولاية شمال دارفور التي سيطرت عليها الدعم السريع في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي). كما تضمنت تشكيل حكومة من المستقلين تشرف على فترة انتقالية بعد الحرب، إلى جانب حوار داخلي.

تفاصيل مبادرة الحكومة السودانية

وفي خطاب أمام مجلس الأمن، طرح إدريس "مبادرة حكومة السودان للسلام"، قائلاً إنها تهدف إلى دعم الجهود الدولية الرامية إلى إنهاء الحرب وتأتي بوصفها مبادرة مكملة لخريطة الطريق التي سبق وقدمتها الحكومة السودانية للأمم المتحدة، في مارس الماضي. وشدد على أن المبادرة ليست بديلة عن خريطة الطريق تلك، كما تستند إلى المبادئ الدولية وأوجه التكامل مع المبادرة الأميركية السعودية والمصرية. وتحدث عن مواجهة السودان "لأزمة وجودية بسبب الحرب"، مشدداً على أن "مبادرة حكومة السودان للسلام" تقدم إطاراً وصفه "بالغني والواقعي وقابل للتطبيق وشامل من أجل حماية المدنيين من الفظائع التي ترتكب، ومن أجل استعادة الدولة لسلطتها ومسؤوليتها وفتح الباب أمام المصالحة الوطنية". ولفت إلى أن أنها تأتي "من الداخل وليست مفروضة علينا... لا تتعلق بكسب حرب، بل بإنهاء حلقة العنف التي يعاني منها السودان ولعقود".

وقال إدريس إن مبادرة حكومته تنص أولاً على وقف إطلاق نار شامل تحت رقابة مشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، يتزامن معه انسحاب الدعم السريع من كل المناطق التي تحتلها إنفاذاً لإعلان المبادئ (بين الطرفين) الموقع في مدينة جدة بتاريخ 11 مايو/أيار 2023. كما تنص على تجميع مقاتلي "الدعم" في معسكرات محددة يتم التوافق عليها تحت إشراف أممي وأفريقي وعربي مشترك، وتسجيل وفرز المقاتلين وجمع البيانات الشخصية، البيومترية، الخاصة بهم. ولفت إدريس إلى أن المبادرة تتضمن أيضاً تسهيل وتأمين عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية وتأمين العودة الطوعية للاجئين، بالإضافة إلى تسهيل تأمين انسياب المساعدات الإنسانية للمحتاجين في كل المناطق المتأثرة بالحرب. يأتي ذلك فضلاً عن تضمنها سحب كامل سلاح الدعم السريع بمراقبة دولية متفق عليها، مع ضمانات بعدم إعادة تدوير الأسلحة. وأشار كذلك إلى أن تدابير "بناء الثقة" تشمل جوانب سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية.

وكانت مبادرة اللجنة الرباعية التي طرحتها في 12 سبتمبر/أيلول الماضي، استندت إلى مجموعة من المبادئ، أولها ضرورة سيادة السودان ووحدته وسلامة أراضيه لتحقيق السلام والاستقرار، والتأكيد أنه لا حل عسكرياً يمكن تطبيقه لإنهاء النزاع، وتسهيل جميع أطراف النزاع وصول المساعدات الإنسانية على نحو سريع وآمن ودون عوائق إلى جميع أنحاء السودان، بجانب حماية المدنيين وفقاً للقانون الإنساني الدولي والتزاماتهم بموجب إعلان جدة، والامتناع عن الهجمات الجوية والبرية العشوائية على البنية التحتية المدنية. ونصت المبادرة حينها على أن مستقبل حكم السودان متروك للشعب السوداني ليقرره من خلال عملية انتقالية شاملة وشفافة، لا تخضع لسيطرة أي طرف من الأطراف المتحاربة.

ودعت إلى هدنة إنسانية، لمدة ثلاثة أشهر مبدئياً، لتمكين وصول المساعدات الإنسانية لتؤدي فوراً إلى وقف دائم لإطلاق النار، وحينئذ يجب إطلاق عملية انتقالية شاملة وشفافة واختتامها في غضون تسعة أشهر لتلبية تطلعات الشعب السوداني نحو إقامة حكومة مستقلة بقيادة مدنية بسلاسة، تتمتع بشرعية واسعة وتخضع للمساءلة. كما شددت أطراف المبادرة على أن مستقبل السودان لا يمكن أن تُمليه "الجماعات المتطرفة العنيفة"، والتي هي جزء من جماعة الإخوان المسلمين أو مرتبطة بها بوضوح. واتفق وزراء خارجية المجموعة الرباعية، على أن وقف الدعم العسكري الخارجي لأطراف الحرب يعد أمراً أساسياً لإنهاء النزاع. والتزموا ببذل كل الجهود لدعم تسوية تفاوضية للنزاع بمشاركة فعّالة من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.

لكن مبادرة الحكومة السودانية التي قدمها إدريس، لم تتطرق لاستعادة الحكم المدني والفترة الانتقالية التي أجهضها الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021، أو إبعاد طرفي الحرب، الجيش والدعم السريع، عن الفترة الانتقالية وإقامة حكومة مستقلة بقيادة مدنية كما ورد في مقترحات اللجنة الرباعية. كما لم تتطرق المبادرة إلى مستقبل الحركة الإسلامية (نظام الرئيس المخلوع عمر البشير)، إلى جانب المجموعات المسلحة والمليشيات التي تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، والتي وصفتها مبادرة اللجنة الرباعية بالجماعات المتطرفة العنيفة، في إشارة الى مجموعات شبه عسكرية إسلامية موالية للجيش. في وقت تختلف فيه المبادرتان كلياً حول وضعية الدعم السريع، فبينما لا تتطرق خريطة الرباعية لتفكيك الدعم السريع ومستقبلها العسكري والسياسي بصورة واضحة، تتمسك الحكومة السودانية بتفكيك ما تصفها بالمليشيا المتمردة ونزع سلاحها وتجميع مقاتليها في معسكرات بإشراف دولي، وهو ما تعتبره الدعم السريع مجرد أمنيات.

ولم يصدر عن الدعم السريع تعليق رسمي فوري على مبادرة الحكومة، لكن مستشار الدعم السريع الباشا طبيق، قال في تعليق على صفحته بموقع فيسبوك، أمس الثلاثاء، إن المبادرة التي طرحها إدريس ليست سوى "إعادة تدوير لخطاب إقصائي متهالك"، لا يختلف في جوهره عن خطاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، معتبراً أن رئيس الوزراء السوداني "لا يمتلك الإرادة ولا القرار الذي يؤهله للحديث عن إيقاف الحرب، فضلاً عن إطلاق مبادرة سياسية ذات وزن"، متهماً الحركة الإسلامية (نظام البشير) بالإمساك بمفاصل القرار. وأشار طبيق إلى أن الحديث عن انسحاب الدعم السريع من المناطق الخاضعة لها ووصفها بالمليشيا، هو "طرح أقرب إلى الخيال منه إلى السياسة، ويعكس انفصالاً كاملاً عن الواقع". وتابع: "مثل هذه الطروحات لا تصنع حلولاً، بل تُستخدم أدوات دعائية لتضليل المجتمع الدولي وإيهام الشعب السوداني بوجود مسار سياسي غير موجود أصلاً". ولفت إلى أن "تجاهل الأزمة التاريخية والتشوه البنيوي في بنية الدولة السودانية، وتجاهل وجود الآخر بوصفه شريكاً لا يمكن القفز فوقه، يجعل أي مبادرة مجرد واجهة شكلية".

فرص نجاح المبادرة

ورأى عضو المكتب التنفيذي للتيار الوطني (تنظيم سياسي) نور الدين صلاح الدين في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "نقاط قوة المبادرة التي طرحتها الحكومة تتمثل في أنها قدّمت تشخيصاً واضحاً للحرب بوصفها تهديداً لكيان الدولة، وسمّت المليشيا بوصفها مليشيا، وربطت بين وقف إطلاق النار واستعادة سلطة الدولة وحماية المدنيين، مع تأكيد ضرورة وجود ضمانات وآليات رقابة دولية وإقليمية لأي هدنة". إضافة إلى "تأكيد أهمية الحوار السوداني – السوداني بوصفه مدخلاً أساسياً للحل السياسي". وبشأن نقاط ضعف المبادرة، قال صلاح الدين، إنها "لا تتعلق بالتشخيص بقدر ما ترتبط بالحاجة إلى استكماله بحسم إجرائي أوضح، خصوصاً في ما يتصل بالمآلات السياسية النهائية للمليشيا، وبمسار إصلاح وتطوير المؤسسة العسكرية تحت سلطة مدنية، بما يضمن عدم إعادة إنتاج الأزمة في صيغة جديدة". ولفت إلى أن "فرص نجاح المبادرة تظل قائمة إلى حد ما، لكنها مرهونة بقدرة الحكومة السودانية على اتخاذ إجراءات جادة لبناء الثقة، ودعم عمليات الحوار السوداني – السوداني فعلياً، وتهيئة الانتقال إلى مسار مدني للحكم".

ويشهد السودان منذ 15 إبريل/نيسان 2023 صراعاً عسكرياً بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع المنشقة عنه والتي يقودها نائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فرضت على إثره الولايات المتحدة عقوبات على الرجلين في يناير/كانون الثاني الماضي. وخلال جلسة لمجلس الأمن أول من أمس، خصصت للوضع في السودان، قال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الشرق الأوسط، خالد خياري، إن كل يوم "يمر يأتي معه بمستويات صادمة من العنف والدمار في السودان حيث يعاني المدنيون، بصورة هائلة لا يمكن وصفها". وأضاف أنه في الأسابيع الأخيرة، تركز الصراع "في منطقة كردفان، حيث حققت قوات الدعم السريع مكاسب إقليمية كبيرة".