قطب العربي

رغم أن الثورة المصرية في كانون الثاني 2011 كانت الأكبر على مستوى المنطقة، كما كان الانقلاب العسكري في تموز 2013 هو الأكثر فجاجة بين الثورات المضادة للربيع العربي، إلا أن الأزمة المصرية لم تستدع ذاك الحجم من الانشغال الإقليمي والدولي بحلها كما هو الحال بالنسبة إلى سوريا وليبيا واليمن، وهو ما دعا المصريين أنفسهم للبحث عن حل لأزمتهم انطلاقاً من المثل «ما حك جلدك مثل ظفرك فتولَّ أنت جميع أمرك». لا يمكننا إغفال المحاولة الإقليمية والدولية التي ظهرت عقب وقوع الانقلاب مباشرة وأثناء اعتصام رابعة العدوية، التي تمثلت بجهود الاتحاد الأوروبي ممثلاً في منسقة سياسته الخارجية آنداك كاترين أشتون، التي ساعدها في مهمتها نائبها برناردينو ليون.
توحيد قوى الثورة
في الآونة الأخيرة تزايدت التحركات السياسية من القوى الرافضة للانقلاب العسكري، بالتوازي مع الحراك الميداني الممتد منذ أكثر من ثلاث سنوات، وتعددت المبادرات والأفكار التي طرحت للخروج من النفق، لكنها مبادرات أو أفكار في معظمها تستهدف توحيد صفوف القوى الرافضة للحكم العسكري القائم بهدف الخلاص منه.
وأما الأفكار والمبادرات التي يثور الجدل بشأنها في الوقت الحالي فهي جميعها مبادرات داخل الصف الرافض لحكم العسكر بشقيه المدني والإسلامي تستهدف توحيده، والوصول إلى رؤى مشتركة لشكل الدولة مستقبلاً، وخطط وبرامج عمل لإنهاء حكم العسكر والوصول إلى الدولة المدنية المنشودة والمتفق على طبيعتها وشكلها سلفاً، وبالمحصلة تشكيل أو تأسيس بديل سياسي لحكم السيسي يكون مقنعاً لغالبية المصريين من ناحية، وللأطراف الإقليمية والدولية من ناحية أخرى.
المبادرتان أو بالأصح الفكرتان الأكثر إثارة للجدل والنقاش حالياً هما خلاصات ورشة واشنطن 2-4 أيلول 2016 ومبادرة الفريق الرئاسي للدكتور عصام حجي المستشار العلمي للرئيس المؤقت عقب الانقلاب عدلي منصور، وبينهما مجموعة من الأفكار أو المشاريع التي طرحتها شخصيات سياسية أو أكاديمية مناهضة للانقلاب، مثل مشروع وطن للجميع الذي طرحه أستاذا العلوم السياسية عماد شاهين وعبد الفتاح ماضي، ومثل وثيقة العشرة التي ماتت في مهدها نتيجة القصف الإعلامي المبكر عليها.
ورشة واشنطن ومعركة الهوية
في ورشة واشنطن، التقت عدة شخصيات مصرية رافضة لحكم العسكر من التيارين الإسلامي والمدني على مدى ثلاثة أيام، وكان لقاؤهم امتداداً لمجموعة من الورش التي شارك فيها بعضهم من قبل في إسطنبول أو الدوحة أو باريس أو نيويورك، وكلها تستهدف إعادة اللحمة للصف الثوري بشقيه المدني والإسلامي، على أرضية مشتركة تنطلق من ثورة 25 يناير ومبادئها ومنجزاتها.
وقد اكتسبت ورشة واشنطن زخماً خاصاً ليس لتنوع المشاركين فيها فقط، فقد حدث ذلك في ورش أخرى، ولكن بسبب دخول الإعلام على الخط (عبر تسريب إحدى المسوّدات الأولية)، وكان السبب الثاني للضجة التي أثارتها ورشة واشنطن هو طرح قضية الهوية على جدول أعمالها من قبل بعض المشاركين العلمانيين، وهو موضوع حساس جداً، ومحسوم سلفاً في وثائق دستورية متعاقبة بدءاً من دستور 1923 وانتهاء بدستور 2014، التي صاغها التيار المدني باستثناء دستور 2012 الذي صاغته جمعية تأسيسية ضمت أطيافاً مختلفة، وانسحب منها ممثلو بعض القوى المدنية في أواخر أيامها.
قيمة ورشة واشنطن وأخواتها هي في قدرتها على جمع أطياف سياسية ثورية متنوعة بين الإسلاميين والليبراليين واليساريين والمستقلين، وهي أطياف فرقت بينهم حالة الاستقطاب السياسي التي زرعتها قوى الثورة المضادة، وظهرت بقوة في الأيام الأخيرة لحكم الرئيس مرسي، ثم تعاظمت القطيعة بينها بعد الانقلاب العسكري في 3 تموز 2013، وظلت تتبادل الاتهامات عن المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في مصر، وترفض فكرة الجلوس إلى طاولة واحدة، حتى طالت نيران حكم العسكر الجميع، ولم يعد من مفر أمام هذه القوى سوى الجلوس إلى طاولة واحدة لبحث سبل الخلاص من هذا الحكم، وتداعياته على الجميع.
دعم أميركي لمبادرة حجي
أما مبادرة الفريق الرئاسي التي طرحها عالم الفضاء المصري الدكتور عصام حجي، فهي تقوم على تجهيز فريق سياسي مدني يخوض الانتخابات الرئاسية عام 2018 في مواجهة السيسي، بهدف إزاحته عن السلطة بطريقة ديمقراطية (حسب تصور المبادرة).
وتنطلق المبادرة من فكرة مدنية الدولة، وترفع شعارات ثلاثة (التعليم، العدالة، الوحدة الوطنية)، ورغم أن أياً من القوى المدنية المعروفة سواء كانت أحزاباً أو حركات شبابية لم تعلن دعمها حتى الآن لمبادرة الفريق الرئاسي، بل إن بعضها وبعض رموزها بادرت للتحفظ و حتى الاعتراض عليها، فإن المبادرة سببت قدراً من الإزعاج للنظام الحاكم، وظهر ذلك في سيل المقالات والتعليقات التي صدرت من الإعلاميين المحسوبين على النظام، الذين تسابقوا في تشويه صورة عصام حجي، بينما كانوا يفاخرون بعلمه ومواهبه قبل ذلك بحسبانه عالم صواريخ مصري يعمل في وكالة ناسا الأميركية، ويشرف على العديد من المشاريع العلمية.
ومن الواضح أن السبب الرئيسي لهذا الانزعاج الحكومي هو شكوك نظام السيسي في أن الولايات المتحدة الأميركية أو أطرافاً نافذة فيها تقف خلف المبادرة، وتسعى للتخلص من الحكم العسكري.
وبالتوازي مع المبادرات التي طرحها ساسة عمليون، جاء مشروع وثيقة «وطن للجميع» التي صاغها أستاذا العلوم السياسية الدكتور عماد شاهين وعبد الفتاح ماضي، وتختلف وثيقة وطن للجميع هذه عن تلك التي خرجت من ورشة واشنطن وحملت الاسم ذاته، وهو ما أحدث لبساً وارتباكاً بينهما دفع الدكتور عماد شاهين لنفي مشاركته في وثيقة واشنطن أو حضور ورشتها.
وتطرح وثيقة الأكاديميين فكرة تأسيس جمعية وطنية تضم ممثلين لكل الأطياف السياسية والفكرية والفئات الاجتماعية المناهضة لحكم العسكر، على أن تختار هذه الجمعية فريقاً رئاسياً ثلاثياً (مدني وإسلامي وعسكري في نسختها الأولية قبل التعديل) ومكتباً سياسياً لإدارة عملية مقاومة الانقلاب وإسقاطه، ومن ثم إدارة المرحلة الانتقالية عبر تشاركية لا تعرف الأوزان النسبية، وصولاً إلى مرحلة الاستقرار السياسي والديمقراطية التنافسية الكاملة.
مشكلة المبادرات المطروحة لإنهاء الحكم العسكري أنها تأتي في لحظة يشهد فيها معسكر مناهضي الانقلاب حالة من التفرق، والشكوك المتبادلة التي تحول دون الوصول إلى صيغة مشتركة للعمل الثوري، أو تصوّر مشترك لمصر المستقبل، رغم أن النظام المصري الحاكم يمرّ أيضاً بلحظات عصيبة بعد فشله في تحقيق أي من وعوده لأنصاره، وتعثره الاقتصادي والسياسي، وتزايد النقمة الشعبية عليه، وكان من المفترض أن تمثل هذه الحالة للنظام فرصة قوية لمعارضيه للإجهاز عليه.