سليم عزوز

لن أتحدى الملل، وأقول مع القائل، إن من المتوقع أن يفوز عبد الفتاح السيسي في الانتخابات المقبلة!
فإن صحّ أن نطلق على ما سيجري في شهر آذار المقبل أنها انتخابات، فإنها صنعت خصيصاً لتمرير المذكور لدورة جديدة، ولأربع سنوات أخرى، بعد الفشل في تعديل الدستور، بما يمدّ من عمر الدورة الرئاسية لتصبح ست سنوات، ومن مدتي الرئاسة لتصبح مدداً!
وبما أن السيسي تمكن من تحقيق الدخول الآمن لدورة جديدة بدون منافسين حقيقيين، فإنه لن يتمتع بدورة مريحة، فهناك تحديات جمة تنتظره، سيكتشف خلالها أنه في السنوات الخمس الماضية، ومنذ انقلابه العسكري، كان في «راحة بال» إذا ما قورنت بالولاية الجديدة!
لقد بدأ عبد الفتاح السيسي ولايته الأولى بظهير من مثلث القوة: الجيش، والشرطة، والقضاء. وقد أغدق على القوم بالدعم المالي، في وقت عانى فيه أغلبية المصريين معاناة شديدة جراء الأزمة الاقتصادية، ورفع الدعم. وظهر جلياً أنه أعجز من أن يحل هذه المشكلات، فبشر بالمزيد من المصاعب في الفترة المقبلة. ولعله كان صادقاً، عندما قال قديماً إن جيلين سيهلكان تماماً حتى يشعر المصريون بالرخاء، أي بعد 66 عاماً، ليكون من صدقه في الوعود البراقة بعد الجيلين كمن صدّق جحا عندما وعد بقدرته على تعليم حمار العمدة اللغة الإنجليزية. وعندما سئل عن الدافع وراء قبوله المقامرة، قال: بعد السنوات المتفق عليها، فإن أحداً منهم سيكون قد مات، فإن لم يمت الحمار، أو صاحبه، سيكون العمدة هو من وافته المنيّة!
أزمة السيسي أنه كوّن دولته الخاصة، فقد أدرك أنه يسير في طريق لا يمكن أن تتقبله عقيدة القوات المسلحة المصرية، وقد فرّط بالأرض، وفي حصة مصر التاريخية من نهر النيل، كذلك فإنه يعمل على تنفيذ صفقة القرن، التي بمقتضاها سيفرّط بجزء كبير من أرض سيناء، وهو مع الأزمات الجديدة، وعندما يجد نفسه في معركة مع الشعب، سوف يكون من الصعب أن يجد الجيش والشرطة معه في معركة تحويل مصر إلى سوريا أو العراق، فلم تعد حربه تجد غطاء أخلاقياً منذ القول بأنه يواجه التيار الديني الإرهابي، فضلاً عن أنه جعل من جهاز المخابرات الحربية؛ الأعلى كعباً من الأجهزة الأمنية الأخرى، ويمارس عملية التخريب لجهاز المخابرات العامة منذ أربع سنوات، انتهت بقيامه بعزل مدير الجهاز اللواء خالد فوزي، وقد التفت حوله فلم يجد من يثق به لرئاسته سوى سكرتيره الخاص!
ويدرك الجيش والشرطة أنهما لم يعودا كما كانت الحال من قبل، فإما السيسي وإما الإخوان المسلمين، بعد ظهور مرشحَين عسكريّين، هما الفريق أحمد شفيق والفريق سامي عنان، وبالتالي فإن إسقاط السيسي لم يعد معناه إسقاط الدولة المصرية بشكلها التي تنحاز له الدولة العميقة بأذرع القوة فيها!
وإذا كان السيسي قد تمكن من إطاحتهما بهما، فإن خطرهما لا يزال قائماً، ولو بإعلان هيئة الانتخابات فوز عبد الفتاح السيسي، ولا شك أن التنكيل برئيس أركان الجيش وسجنه؛ عملية لها ما بعدها، فالقصة لم تتم فصولاً، ومن الواضح أن الرجل إلى الآن لم يتنازل. وحتى من تم إكراهه على التنازل فإنه لم يمت، ولكنه ينتظر الفرصة للانتقام لنفسه من عملية إرغامه على التراجع عن الترشح للانتخابات الرئاسية!
لقد استعد عبد الفتاح السيسي لذلك مبكراً، فأقام دولته الخاصة، ويمثل جهاز الرقابة الإدارية أحد أضلعها، فهى التي تهيمن على كافة مؤسسات الدولة، وتتحكم بها تحكم المالك في ما يملك. ولأنه لا يثق ثقة كبيرة بمؤسسات القوة، فقد أقام وحدة عسكرية خاصة هي الانتشار السريع، بحيث يكون تمامها عنده، وهى المخوّل لها النزول إلى الشارع، وفي تقديري أنها هي التي ستتعامل مع أي مظاهرات قد تخرج عليه، ولهذا بدا واثقاً من نفسه، وهو يقول إن ما حدث قبل سبع سنوات لن يتكرر. ويمثل الإعلام الضلع الثالث في دولته الجديدة، فلم يترك الأمور رهن الاجتهاد الشخصي والولاءات المتعددة لمقدمي البرامج وأصحاب الفضائيات الخاصة، فتم شراؤها لمصلحته، لتكون في قبضته جميعاً، كما تم شراء عدد من الصحف الخاصة!
لقد استطاع أن يسيطر على القضاء بدرجة كبيرة من خلال تعديل قانون الهيئات القضائية حيث منح نفسه سلطة اختيار قيادات المؤسسة القضائية، فضلاً عن أن مؤسسة العدالة تدار عن طريق شقيقه القاضي، نائب رئيس محكمة النقض، فهو الذي يعيّن، ويرفع، ويخفض، وبالتالي فلن يكون بحاجة إلى هذه المؤسسة في الدورة الجديدة، بما يدفعه للاستمرار في الإغداق المالي عليها، والمال بات شحيحاً، بعد توقف «الرز» القادم من دول الخليج!
وتمثل الانتخابات البرلمانية القادمة تحدّياً آخر. ففي العام الثالث من الولاية الجديدة، ستشهد مصر انتخابات برلمانية، وإذا كان قد نجح في المرة السابقة، بعد محاولات كثيرة، في صناعة برلمان على مقاسه، وكان حكمه لا يزال في قوّته، فإن هذا لن يكون هذه المرة، ولن تقف الأحزاب والقوى السياسية مكتوفة الأيدي، في انتظار هندسة البرلمان الجديد، ولا سيما أنه سيكون قد اقترب من الانتخابات الرئاسية الجديدة، وإذا نجح في تعديل الدستور بما يسمح له بخوضها، فلن يكون في القوة التي تجعله يحافظ على موقعه من المنافسين، وعلى اختياراته من المواجهة.
إنها دورة أكثر قلقاً، ولكن لا تعلمون!}