العدد 1389 / 4-12-2019

اتسع النفوذ الإيراني في العراق بعد احتلاله من القوات الامريكية، ومن ثم انسحابها نهاية عام 2011، عبر التدخل الواسع في تشكيل الأحزاب السياسية والمجموعات المسلحة ودعمها.

لم يكن من اليسير على أي مواطن في العراق توجيه انتقاد لإيران أو رفع شعارات مناهضة لها أو تمزيق صور قائد الثورة الإيرانية الخميني والمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي التي تنتشر بشكل واسع في المحافظات العراقية جنوب بغداد.

وعكست احتجاجات البصرة في تموز الماضي لأول مرة حالة غضب حقيقية ضد الحكومة العراقية التي تهيمن على قرارها الأحزاب الشيعية الحليفة لإيران، أو المدعومة منها، وهذه الأحزاب تمثل السلطة الفعلية في العراق ويتكامل عملها السياسي بالاجنحة العسكرية الخاصة بها والتي تمثلها فصائل هيئة الحشد الشعبي أو مجموعات شيعية مسلحة خارج اطار هذه الهيئة.

ورفع المحتجون شعارات باللغتين العربية والفارسية في رسالة موجهة إلى الحكومة العراقية تدعوها لرفض التبعية للحكومة الإيرانية.

عبر المحتجون عن "غضبهم" من الدور في العراق، وموقف الحكومة الإيرانية من حركتهم الاحتجاجية، باحراق صورا للمرشد الأعلى علي خامنئي وقائد فيلق القدس قاسم سليماني، واحراق مبنى القنصلية الإيرانية في النجف وقبلها في البصرة، بالإضافة إلى احراق مكاتب عدد من الأحزاب السياسية وفصائل الحشد الشعبي الحليفة لإيران في وسط وجنوب العراق.

وتشير بعض التقارير إلى ان قائد فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني زار العراق لثلاث مرات على الأقل منذ بدء الموجة الأخيرة من أحداث الموصل عام 2014 في الأول من تشرين الأول الماضي.

ويعتقد المحتجون ان الهدف من زيارات سليماني المتكررة للعراق ولقاءه بكبار قيادات الحشد الشعبي يتمحور حول دعم واسناد الجهات المسؤولة عن قمع الاحتجاجات.

ويواجه المحتجون اتهامات إيرانية من المرشد الأعلى وقيادات الحرس الثوري بوقوف الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل خلف حركتهم الاحتجاجية، واعتبارها "فتنة جديدة بعد فتنة تنظيم داعش" تستهدف العلاقات بين الشعبين الإيراني والعراقي.

ويرفض المحتجون التدخلات الإيرانية بالإضافة إلى التدخلات الخارجية الأخرى، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل.

لكن مشاعر السخط الشيعي والرفض الشعبي للتدخلات الإيرانية مقارنة بالتدخلات الخارجية الاخرى، يبدو هو الاوسع والأكثر وضوحا بما يشكل انعكاسا لواقع ان التدخلات الإيرانية والنفوذ الإيراني هو الاوسع في العراق.

واظهرت تقارير لوزارة الاستخبارات والامن الإيرانية نشرتها صحف أمريكية في 18 تشرين الثاني، التدخلات الإيرانية في الشؤون السياسية والاقتصادية والدينية والأمنية العراقية.

وتصف احدى التسريبات عادل عبد المهدي بانه على "علاقة خاصة" مع طهران عندما كان وزيرا للنفط في عام 2014.

انعكس سوء الأداء الحكومي وفشل الأحزاب السياسية في إدارة الدولة بشكل واضح على هذه الأحزاب والمؤسسات المرتبطة بها، وبالتتابع على إيران التي تدعم هذه الأحزاب وتساندها رغم الرفض الشعبي الواسع لها ورغم ثبوت فسادها.

يرى المحتجون ان إدارة الدولة العراقية طيلة ستة عشر عاما من سيطرة الأحزاب السياسية الحليفة لإيران على السلطة والموارد، كان مخيبا لطموحاتهم بعد التخلص من نظام صدام حسين، وان هؤلاء اثبتوا فشلهم في تحسين المستوى المعيشي والخدمات، في ذات الوقت الذي تفشت ظاهرة الفساد في مؤسسات الدولة العراقية ليكون العراق من بين أكثر الدول فسادا في العالم، حسب تقارير منظمات دولية.

وفي شعارات رفعها محتجون في اعقاب احراق القنصلية الإيرانية في النجف، أشاروا إلى انهم يدركون ان إيران هي المتسبب الأول في كل ما يجري من خلال دعمها للحكومة في بغداد، والفصائل المسلحة الحليفة لها والتي تسيطر على معظم القطاعات الاقتصادية والتعيينات في الدوائر الحكومية بينما يعاني الاخرون من الفقر والبطالة.

احتراق المراكز الحزبية

خلال الأسابيع الماضية، تعرضت مكاتب الأحزاب والفصائل المسلحة المرتبطة بايران للتخريب من محتجين جعلوها من بين اهم اساليبهم في رفض التدخلات الإيرانية ورغبتهم في انهاء النفوذ الإيراني من العراق.

اضرم محتجون النار في مكاتب حزب الدعوة بمدينتي الناصرية والديوانية، وتعرضت اليات عدة تابعة للحشد الشعبي للتحطيم، كما احرقوا مبان تابعة لسرايا الخراساني ومنظمة بدر وتيار الحكمة بالإضافة إلى احراق صور المرشد الأعلى والعلم الإيراني وصور لبعض المراجع الشيعية العراقية، بالإضافة إلى القنصلية الإيرانية في النجف على خلفية اتهامات صريحة وجهها المحتجون لإيران والقوى الحليفة لها بالوقوف وراء حملات القمع التي راح ضحيتها ما لا يقل عن 400 قتيل والاف الجرحى.

ويعتقد المحتجون ان الدعم الإيراني للحكومة وبعض الأحزاب السياسية في مجلس النواب وفصائل الحشد الشعبي الحليفة لها، ساهم إلى حد بعيد في تفشي ظاهرة الفساد في مؤسسات الدولة العراقية ونتائج ذلك على حياة العراقيين بشكل مباشر.

كما ان المحتجين يحملون في الغالب القوات الأمنية، ومجموعات شيعية مسلحة حليفة لإيران المسؤولية عن مقتل المحتجين.

وكان للموقف "المناهض" للاحتجاجات الذي تبناه كبار المسؤولين الإيرانيين، مثل تصريحات المرشد الاعلى علي خامنئي وكبار قيادات الحرس الثوري، عزز بشكل واضح مشاعر "الرفض" واسع النطاق للتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية العراقية، والمطالبة بشعارات واضحة وصريحة بخروج إيران ووقف تدخلاتها في العراق.

وتشكل الاحتجاجات العراقية تحديا "وجوديا" للمصالح الإيرانية في المنطقة.

يمكن لتطور الاحتجاجات ودخول العراق في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار ان يعقّد بشكل كبير تعزيز النفوذ الإيراني واتساعه غربا إلى سوريا ولبنان بما يعني فقدانها للعمق الاستراتيجي المتمثل بالاراضي العراقية، بالإضافة إلى حرمانها من المكاسب المتحققة من التبادل التجاري والالتفاف على العقوبات الامريكية للحد من تدهور الأوضاع الاقتصادية التي تراهن عليها الولايات المتحدة في خلق انتفاضة واسعة في الداخل الإيراني.

من المؤكد ان هناك تغييرا في المزاج الشعبي العام لدى عامة الشيعة العراقيين تجاه الأحزاب والسياسيين المرتبطين بايران، وأيضا تجاه النظام الإيراني بمعزل عن الشعب الإيراني.

يمكن لمشاعر الغضب الموجّه ضد التدخلات الإيرانية ان تخلق ارضية مشتركة لوعي جديد عابر للطائفية يتجاوز حالة التباين التي ظلت سائدة طيلة سنوات بين الشيعة الذين ظلوا يرفضون المساس بايران في العراق من جهة، والعرب السنة الرافضين أصلا لاي نفوذ إيران.