بسام ناصر

من عجائب العلمانيين العرب أنهم لا يسارعون إلى وصف الشعوب العربية بأنها غير مؤهلة للديمقراطية، وبعضهم يرى أنها غير مستحقة لها أصلاً، إلا حينما يحقق الإسلاميون فوزاً كبيراً ولافتاً، وكأنهم يريدونها ديمقراطية خاصة بهم وحدهم، ومفصلة على مقاييسهم ورؤاهم!
حينما تتلمس الشعوب العربية طريقها نحو الديمقراطية، فإنها ترنو إليها بعد عقود مثقلة بحكم الاستبداد وحرمان أبسط حقوقها الطبيعية.
ولئن كانت تجربة الممارسة الإسلامية السياسية التاريخية ابتعدت في غالب محطاتها عن مرتكزات النظام السياسي الإسلامي في إسناد السلطة ابتداء وممارستها تالياً، وتم شرعنة ولايات التغلب والعهد، وتوريث الحكم، فإنها بقيت تدين بالمرجعية المطلقة للشريعة، وتعظم أحكام الدين وتعاليمه، ولم يحدث إقصاء الشريعة عن إدارة شؤون الحكم والسياسة كمرجعية حاكمة إلا في القرن الأخير من تاريخها.
وقد ابتليت أغلب الشعوب العربية بأنظمة حكم استبدادية قمعية ديكتاتورية، خاصة بعد مرحلة الاستقلال عن الاستعمار الأجنبي، ورحيله الظاهر عن الجغرافيا العربية الشاسعة، ومجيء الدولة القطرية التي حرمت تلك الشعوب حقوقها السياسية الأساسية، وأدارت شؤون البلاد كأنها ممتلكات خاصة بها وبعائلاتها.
عاشت الشعوب العربية في ظل الدولة القطرية، تحت ظل الاستبداد وكبت الحريات والقهر والقمع الأمني الشرس، وباتت تتطلع إلى استنشاق رياح الحرية النقية، وترنو إلى عيش حياة هانئة كريمة في أوطانها، والتنعم بخيرات بلادها التي سطت عليها عصابات الأنظمة الاستبدادية، ولسان حالها يتساءل: ما الذي ينقصنا كغيرنا من أمم الأرض حتى نحلم بذلك ونتشوّق إليه؟
حينما هبت رياح الديمقراطية على العالم العربي، وإن كانت بصورتها الشكلانية الديكورية، وكان من نتائجها ومخرجاتها دفع الإسلاميين إلى صدارة المشهد السياسي في غالب الأحيان، استشاط العلمانيون العرب غضباً، لأنها خذلتهم ولم تمكنهم من الفوز وتصدّر المشهد، فباتوا يشيعون فكرة عدم أهلية الشعوب العربية للديمقراطية، بسبب أميّتها السياسية وجهلها وتخلفها، وما إلى ذلك من توصيفات تحتقر هذه الشعوب وتحط من قدرها.
ولو أن الديمقراطية في عالمنا العربي خدمت العلمانييّن والليبراليين كما يشتهون، فقدمتهم وحملتهم إلى المجالس البرلمانية وغيرها من المؤسسات الأخرى، لكان لهم معها شأن آخر، ولأكثروا حينها من مدح الشعوب العربية والإشادة بها، ولباتت عندهم راشدة عاقلة تستحق المزيد من الحريات والحقوق.
لماذا تستكثرون أيها العلمانيون الديمقراطية على الشعوب العربية، وتصفونها بأنها غير مؤهلة لها، وبعضكم يحمله غلوّه وشططه إلى وصفها بأنها لا تستحقها أصلاً؟ هل يليق بدعاة الديمقراطية أن ينقلبوا على بضاعتهم لأنهم عجزوا من خلالها عن تحقيق ما يريدون ويشتهون؟
ولماذا يتعامى العلمانيون عن حقيقة راسخة، يعرفها البعيد قبل القريب، ألا وهي أن الشعوب العربية شعوب متدينة بفطرتها، وطبيعة نشأتها، وهي تنحاز إلى حملة المشروع الإسلامي دائماً، لأنها تراهم الأقرب إليها، والأصدق انتماء إلى دينها الذي تدين به، والأنظف يداً، والأشدّ إخلاصاً في حمل هموم الأمة والعمل على تحريرها من كل مظاهر التبعية للخارج.
أيها العلمانيون العرب.. إذا كنتم تؤمنون بالديمقراطية وأدواتها وآلياتها حقاً وصدقاً، وترون أنها أفضل نظام سياسي، لكنكم ترون في الوقت نفسه أن الشعوب العربية غير مؤهلة لها، فما عليكم إلا التشمير عن سواعد العمل والبناء، والجد والاجتهاد لتأهيل هذه الشعوب صاحبة الحق في اختيار من تراه الأصلح والأفضل لممارسة الديمقراطية، فلعلها تنحاز لكم وتختاركم في قادم الأيام.}