فهمي هويدي

لم يعد أمامنا خيار في محاولة فهم ما جرى في اجتماع العقبة السري الذي حضره الرئيس السيسي مع نتنياهو بمشاركة الملك عبدالله وجون كيري وزير الخارجية الأميركي الأسبق، إذ ليس لدينا مصدر للمعلومات في مصر باستثناء بيان رئاسة الجمهورية الذي لم ينف حضور الرئيس السيسي اللقاء، فيما أكد التزام مصر الدفاع عن القضية الفلسطينية. أما بقية المعلومات، فقد اضطررنا إلى متابعتها من المصادر الإسرائيلية التي لا نريد أن نصدقها ولا نثق في نياتها، ولولا التكتم المصري على ملف العلاقات مع إسرائيل لما التفتنا إلى ما تنشره وسائل الإعلام هناك.
ويثير دهشتنا في هذا الصدد أن الأجهزة المصرية تخرج علينا بين الحين والآخر بتقارير تنشرها الصحف القومية، تفند فيها الأخبار التي تنشرها عن مصر وكالات الأنباء الغربية، وعادة ما تتحدث عن سوء قصد تلك المنابر الإعلامية. أما ما تنشره الصحف الإسرائيلية عن العلاقات الحميمة المتنامية مع مصر، فإنها تقابل بصمت مدهش، فعندما يقول سفير سابق للدولة العبرية في القاهرة إن مصر وإسرائيل في سرير واحد الآن، فإن ذلك يستحق تصويباً رسمياً من مصر، وحين يقال إن اجتماع السيسي ونتنياهو في العقبة عام ٢٠١٦ سبقه اجتماع مماثل بينهما في شهر تشرين الأول من عام ٢٠١٥، وعندما تتحدث الصحف عن مضمون مكالمات هاتفية بينهما -يدّعون انتظامها مرة كل أسبوعين- فإن ذلك لا ينبغي أن يمر دون تصحيح أو تعقيب. حتى حين قال أيوب القرا أحد الوزراء الإسرائيليين القريبين من نتن ياهو إن الرئيس السيسي اقترح توطين الفلسطينيين في سيناء، فإن النفي المصري للخبر جاء من خلال المتحدث باسم وزارة الخارجية في مداخلة له ضمن أحد البرامج التليفزيونية، بل إن وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شفاينيتز حين قال في العام الماضي إن مصر أغرقت الأنفاق مع غزة استجابة لطلب من إسرائيل، فإن مصر سكتت.. في حين أن ذلك أغضب المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لأنه قال ما لا ينبغي أن يقال، وهذا السكوت قوبلت به التقارير التي تحدثت عن مشاركة إسرائيل في تعقب الإرهابيين وضرب أهدافهم في سيناء. بعض هذا الكلام يصعب تخيّله أو تصديقه، لكنه من جملة ما تتحدث به الصحف الإسرائيلية، ولا يتاح لنا أن نعرف وجه الحقيقة فيه، الأمر الذي يسلمنا للحيرة والبلبلة.
المعلومات التي نشرت عن مؤتمر العقبة السري ذكرت أن الطرف العربي الحاضر كان موافقاً على النقاط التي طرحها جون كيري، في حين أن الذي رفضها كان نتن ياهو. بما يعنى أن العرب الحاضرين رضوا بالهمّ في حين أن الهمّ لم يرض بهم. وقد استغرب بعض الكتاب الإسرائيليين موقف رئيس الوزراء، حتى إن أحدهم (رفيف دروكير)كتب في هاآرتس قائلاً: «كان يفترض أن ينهال نتن ياهو بالقبلات على كيري، لا أن يقابل عرضه السخي بالرفض». وقال آخر أكثر من ذلك، إذ كتب أورى مسغاف أن ما جرى في لقاء العقبة يدل على أن نتنياهو «كذاب وجبان ورافض للسلام».
حين رفض نتنياهو مشروع جون كيري، فإنه قام بتعلية سقف طلباته، فقد اشترط أن توافق السعودية والإمارات على إرسال ممثلين كبار عنهما إلى مؤتمر علني يشارك فيه شخصياً، بما يدلّ على نقل العلاقات مع البلدين إلى العلن. ومما ذكره باراك رافيد محرر «هاآرتس» وصاحب السبق الصحفي أنه إلى جانب ذلك، فقد طلب الرجل موافقة الإدارة الأمريكية على إطلاق يد إسرائيل في التجمعات السكانية الكبرى بالضفة الغربية، إضافة إلى التزام أمريكي لإحباط أي تحرك ضد إسرائيل في المحافل الدولية. وفى مقابل كل ذلك, فإنه وعد بأن يقدم بعض التسهيلات للفلسطينيين للبناء في مناطق «جـ» بالضفة الغربية، وسمح بتجميد البناء في المستوطنات النائية التي تقع في أقاصي الضفة!
في استعلائه وصَلَفه فإن نتن ياهو قام بدور المنتصر الذي يملي شروطه على المهزومين. وإذا لاحظت أنه تحدث بهذه اللغة أثناء حكم الرئيس باراك أوباما، فلك أن تتصور موقفه الآن، في ظل الرئيس الجديد الذي يقف على يمين إسرائيل ويعتبر أن الخطأ كله في جانب الفلسطينيين.
نستطيع أن نصب اللعنات على رئيس الوزراء الإسرائيلي، وأن نحشد ما نملك من ثروة لغوية لازدرائه والتنديد به، لكن ماذا نقول فيمن يمدون أيديهم لمصافحته والتطلع إلى سلام دافئ أو حتى بارد معه؟!