العدد 1412 / 6-5-2020

جمانة فرحات

مرّت أيام عدة، منذ بدأ مواطنون يمنيون في العاصمة المؤقتة عدن يرفعون الصوت، متحدّثين عن شكوك في وجود حالات موجبة لكورونا، جرّاء ارتفاع الوفيات لمرضى لديهم أعراض الوباء، قبل أن تعترف السلطات بوجود إصاباتٍ، ثم تعلن بعد ساعات حصول حالتي وفاة، إحداهما قبل أسبوعين. وقد تزامن الكشف عن الحالات مع استنفار سياسي وعسكري. التوتر في عدن في ذروته منذ أيام، بعد قرار المجلس الانتقالي الجنوبي إعلان حالة الطوارئ، وما يسميها "الإدارة الذاتية" في محافظات الجنوب، متذرّعاً بعدم قيام الحكومة بواجباتها، والتلكؤ في تطبيق اتفاق الرياض الذي رعته السعودية بينه وبين الحكومة. المعارك في الشمال لا تتوقف، وسط تمسّك الحوثيين بالتصعيد الميداني والتباهي بالسيطرة على 95% من محافظة الجوف الاستراتيجية. كذلك إن غارات التحالف، على الرغم من الهدنة الهشة المعلنة منذ 9 إبريل/ نيسان الماضي، وجرى تمديدها قبل أيام، لم تتوقف على نحو كامل.

في الدول التي تمتلك حكومات راسخة، ولديها قدرات طبية جيدة، ، برزت تحدّيات أمامها في مواجهة كورونا، واستغرق الأمر أسابيع عدة حتى تمكّنت من السيطرة جزئياً على انتشاره، وتوقيف عداد الوفيات التصاعدي، والتمهيد للعودة إلى الحياة تدريجاً. أما في اليمن، حيث الحكومة المعترف بها دولياً في غرفة الإنعاش منذ سنوات، وهي عاجزة عن الوجود داخل البلاد، وحيث الجماعات المسلحة والمتمرّدة تزاحم السلطة الشرعية، وتتفوق عليها في الشمال كما في الجنوب، والحصار الجائر مستمر منذ سنوات، والقطاع الصحي أصلاً في أسوأ حالاته ويُجبَر المواطنون على توسل منحة علاج في مصر أو الهند، كلما اشتكوا من علة، ولو بسيطة، فإن تفشّي كورونا هو وصفة للفتك باليمنيين، من دون أي تمييز بين موالٍ للشرعية ومؤيد للمجلس الانتقالي أو الحوثيين أو التجمع اليمني للإصلاح أو أي طرف آخر.

الوضع اليوم، ببساطة، لا يحتمل تناحراً سياسياً أو عسكرياً. وبقدر ما تبدو الحكومة مسؤولةً عن التعاطي بشفافية مع الأزمة، ورفع مستوى الطوارئ الصحية إلى أقصى درجة، ومدّ يد التعاون إلى كل القوى الفاعلة لبدء احتواء الوباء، ومنع تفشيه على نطاق واسع، فإن مسؤولية الجماعات المسلحة في الشمال والجنوب مضاعفة، لأن الوقت ليس للاستثمار السياسي. وإذا كان الحوثيون يحكمون جزءاً واسعاً من الشمال بقبضة من حديد، وقادرين على فرض ما يريدونه من إجراءات سياسية وصحية، بحكم كونهم سلطة أمر واقع، فإن المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يروّج لكل خطوة يقوم بها بأنها من أجل الجنوبيين ومصلحتهم أمام اختبار حقيقي، لا تجاه الحكومة أو حلفائه الإقليميين، بل أمام المواطنين في الجنوب. أمام المجلس فرصة للتراجع خطوة، ووضع حد للتصعيدين، السياسي والعسكري، وعدم تعطيل عمل الوزارات المعنية بمواجهة الوباء. لا تحتمل عدن التي غرقت قبل أيام جرّاء السيول، والتي تتراكم النفايات في شوارعها، والتي تعاني من نقص في التغذية الكهربائية والمياه النظيفة، مواجهة أزمات سياسية وعسكرية وصحية في آن واحد. وسيكون على المجلس الانتقالي تحديد أولوياته: المضي في خوض المعارك التي يمكنها استكمالها في أي وقت، أو الالتفات إلى حماية حياة أبناء المحافظات الجنوبية وعدم التردد في تقديم أي تنازل، ولو مؤقتاً، في سبيل إنقاذ الأرواح، خصوصاً أن خطوته المتهوّرة، إعلان "الإدارة الذاتية" لم تلق من يصفّق لها. حتى الإمارات، الداعم الأول له، عاجزة عن الخروج بموقف تأييد علني، حرصاً على علاقتها مع السعودية، باعتبار أن ما قام به المجلس، في الأيام الماضية، يهزأ بالسعودية، لا بالحكومة اليمنية فقط.