خورشيد دلي

لم يكن تسريب الإدارة الأميركية عبر صحيفة وول ستريت جورنال فكرة إنشاء قوة عربية لتحل محل القوات الأميركية في شمال شرق سورية إلا تعبيراً عن بحث هذه الإدارة عن استراتيجية عملية لسحب قواتها من سورية، إذ سبق أن أعلن الرئيس دونالد ترامب، مراتٍ عن نيّته سحب هذه القوات قبل أن يحدد ستة أشهر لذلك. وتقوم الخطة الأميركية، كما سرّبتها الصحيفة الأميركية، على إرسال جنود من السعودية ومصر والإمارات وقطر، إلا أن من الواضح أن هذه الخطة لم تنضج بعد، وتواجه عقبات كثيرة، مع أن فكرة إرسال مثل هذه القوات ليست جديدة، إذ سبق أن طرحت كل من السعودية وتركيا الفكرة عام 2015، مع اختلاف رؤية كل طرفٍ لمهمة هذه القوات وأهدافها. ولعل عدم إنضاج هذه الخطة يفسر الحديث الأميركي عن مفاوضات متواصلة بين مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، ومدير الاستخبارات المصرية بالوكالة، عباس كامل، بشأن المساهمة المصرية، حيث يبدو أن الإدارة الأميركية تراهن على أن تكون المساهمة المصرية كبيرة لجهة عدد العناصر العسكرية المحتمل إرسالها إلى سورية، نظراً إلى أن السعودية والإمارات مشغولتان بالحرب في اليمن، حيث يبقى دورهما الأساسي هو التمويل المالي، فيما يتركز الدور المصري على إرسال أكبر عدد من القوات.
اللافت أن الطرح الأميركي جاء في ظل ثلاثة تطورات مهمة: إعلان ترامب نيته سحب   القوات الأميركية من سورية، ما لم تغطّ السعودية التكلفة المالية لبقاء هذه القوات، ويبدو أن هذا الهدف تحقق في ظل الحديث عن استعداد سعودي لهذا التمويل. تنفيذ الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ضربات جوية على مراكز ومقار للنظام السوري، على خلفية استخدامه السلاح الكيميائي في دوما. الحديث عن نية الولايات المتحدة إقامة ما يشبه منطقةً تتمتع بحكم ذاتي في جنوب سورية، وتحديداً في مدينة درعا، أشبه بما هو قائم في شرقي الفرات من خلال التعاون مع الأردن. وعليه، تبدو في ظل هذه التطورات فكرة إنشاء قوة عربية في سورية منسجمة مع استراتيجية ترامب التي تقوم على تحميل الدول العربية مسؤولية الأعباء المالية الناجمة عن استمرار استراتيجية بقاء النفوذ الأميركي في مواجهة المشروع الإيراني في سورية ومنطقة الشرق الأوسط، ومحاولة دفع مصر إلى الانخراط في هذه المواجهة، على اعتبار أن الولايات المتحدة تقدم لها مساعدات مالية سنوية، فيما بات معروفاً أن ترامب لن يقدم مساعدات لأي دولة أو طرف دون خدمات في المقابل.
وثمّة من يرى أن فكرة إرسال قوات عربية لتحل محل القوات الأميركية إلى سورية أقرب إلى الخيال، بسبب كثرة العقبات والتحدّيات والتداعيات المحتملة، ولعل من أهم العقبات: أن السعودية والإمارات غارقتان بالحرب في اليمن، بل ثمّة مخاطر باتت تهدد الأراضي السعودية مع قصف الحوثيين الصاروخي اليومي للسعودية، فكيف لهاتين الدولتين إرسال قوات إلى سورية في هذه الظروف؟ إذا قرّرت الدولتان إرسال مثل هذه القوات إلى سورية تحت الضغط الأميركي، كيف لهذه القوات، وكذلك القوات المصرية، أن تعمل مع القوات القطرية في ظل الأزمة المتواصلة بين هذه الدول وقطر؟ مصر وعلى الرغم من أنها تبدو الدولة الوحيدة القادرة على إرسال هذه القوات إلى سورية، إلا أنها قد تجد صعوبة كبيرة في اتخاذ هذا القرار، فقد سبق أن رفضت إرسال قوات إلى اليمن.
وبغض النظر عن هذه الصعوبات والعقبات، فإن الأهم يتعلق بالتحديات المتعلقة بمهمات هذه القوات، والسؤال هنا: ما الهدف الأساسي من إرسال هذه القوات؟ أولاً، من الصعب تخيّل أن هذه القوات ستذهب لمحاربة الجيش السوري، في ظل عدم مطالبة هذه الدول بإسقاط النظام، فحتى السعودية التي كانت تطالب سابقاً برحيل الرئيس بشار الأسد، قال وليّ عهدها محمد بن سلمان أخيراً في واشنطن إنه ينبغي القبول بحكم الأسد. وعليه، ثمّة صعوبة في إقناع الدول المذكورة بمهمة هذه القوات، خصوصاً أن معركة القضاء على «داعش» تبدو في نهايتها. 
ثانياً، إرسال قوات عربية إلى سورية دون موافقة النظام يفتح باب المواجهة بينها، وكل من النظام السوري وإيران وحزب الله وروسيا. وتبدو هذه الفكرة جنونية ومستبعدة، إذا ما علمنا أن تداعيات هذه المواجهة ستكون كبيرةً، مقارنة بالهدف الأميركي المعلن، أي تحقيق الاستقرار في شمال شرق سورية.
إن إرسال هذه القوات بهدف دعم قوات سورية الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية المتحالفتين مع الإدارة الأميركية يفتح باب المواجهة المباشرة مع تركيا التي تحارب هذه القوات، وتصنفها في خانة الإرهاب، وهو ما يعقد النزاع أكثر في الشمال السوري، لا تحقيق الاستقرار كما تقول الخطة الأميركية.
في ظل هذا المشهد الصعب، تبدو فكرة إرسال قوات عربية تحل محل قوات أميركية، أمام مجموعة من السيناريوهات المفتوحة: 
أولاً، توسيع فكرة جنسية القوات المشاركة في الذهاب إلى سورية، مثلاً أن تكون إسلامية ولا سيما في باكستان، حيث سبق أن أعلنت السعودية تأسيس تحالف إسلامي، على الرغم من أن هذا التحالف لم يدخل حيّز التنفيذ لجهة المشاركة في الحروب المندلعة في المنطقة. 
ثانياً، أن تقتصر المساهمة العربية على التمويل المالي، بمعنى أن يجري الإقرار الرسمي بتمويل عربي، وتحديداً خليجياً، للقوات الأميركية وحلفائها من دول الغرب، لا سيما فرنسا وبريطانيا التي أرسلت أخيرا قوات إلى منطقة شرق الفرات، واستقرت مبدئياً في مدينة منبج. وقد يفتح هذا الأمر الباب أمام دول أخرى، لإرسال قواتها إلى سورية. 
ثالثاً، ثمّة من يرى أن فكرة إرسال قوات عربية إلى سورية غير واقعية، نظراً إلى أن المقومات غير متوافرة، ومن ثم ستزيد من حدة النزاع في سورية. وعليه، قد تتخلى الولايات المتحدة عن هذه الفكرة، بسبب العقبات والمخاطر الكثيرة. لكن بعد أن تؤمن التمويل اللازم لبقاء قواتها في المرحلة المقبلة، ريثما يجري التوصل إلى تسويةٍ سياسيةٍ للأزمة السورية. 
رابعاً، ثمّة من يرى أنه، على الرغم من هذه العقبات الكثيرة، فإن دول الخليج، وتحديداً السعودية والإمارات، ستعملان على إنجاح المقترح الأميركي، ولكن ليس من خلال قوات البلدين، بل من خلال فكرة إرسال قوات من السودان والأردن وباكستان، وربما غيرها من الدول العربية والإسلامية إلى سورية، على أن تقدم الدولتان التمويل. وثمّة من يرى أن هذه الفكرة قد تكون عملية أكثر، نظراً لحساسية إيران والنظام السوري من إرسال قوات سعودية إلى سورية، واحتمال أن يفجر هذا الأمر حرباً واسعة بين السعودية وإيران على الأراضي السورية.
وعلى الرغم من كل ما سبق، تبقى فكرة نشر قوات عربية وإسلامية في سورية مهمة للإدارة الأميركية وحلفائها في المنطقة، فالثابت أنه لا يمكن تصور انسحاب أميركي من سورية قبل نشر مثل هذه القوات، لأن غير ذلك يعني انتصار المشروعين، الإيراني والروسي، في المنطقة، وهو ما لا تقبل به الولايات المتحدة ولا السعودية والإمارات. وعليه، سيتركز الجدل في المرحلة المقبلة على عدد هذه القوات، ومن أي دولة، وتحديد مهمات هذه القوات، وأماكن تمركزها. وفي جميع الأحوال، يمكن القول إن إرسال هذه القوات إلى سورية سيشكل منعطفاً جديداً في الأزمة السورية.}