أسامة أبو ارشيد

لا يمكن إغفال زيارات الجنرال السعودي المتقاعد، أنور عشقي، المتكرّرة للدولة العبرية، بذريعة المشاركة في «مؤتمرات أكاديمية»، على الرغم من أن السعودية لا تعترف بحرية إعلام أو استقلال أكاديمي، دع عنك كفالة حرية السفر لمواطنيها لدولٍ معادية، كإسرائيل، وما حظر سفر المواطنين السعوديين إلى قطر أخيراً إلا دليل على ذلك. كذلك لا يمكن إغفال الحديث الأميركي- الإسرائيلي- المصري، المدعوم سعودياً وإماراتياً تحديداً، عن «صفقة القرن»، حسب تعبير السيسي نفسه، والتي تَسْتَبْطِنُ تصفية إقليمية للقضية الفلسطينية مقابل حلف أميركي- إسرائيلي- بعض عربي ضد إيران، وما يوصف بـ«الإسلام السياسي»، وقوى المقاومة والتغيير الديمقراطي في المنطقة. 
ما سبق تأطير عام لسياق الصَّدْعِ الخليجي العربي الذي هَنْدَسَهُ معسكر الثورات العربية المضادة بضوء أخضر من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كما تباهى هو بذلك، وبدعم من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتن ياهو، الذي كشف غَيَرَ مَرَّةٍ، عن اتصالاتٍ سِرِّيَةٍ بين دولته و«الدول العربية المعتدلة»، على أساس أنها تشاطر إسرائيل الرؤية بأن الخطر الحقيقي في الإقليم لا يتأتى من الأخيرة، وإنما من إيران و«الإسلام الأصولي المتطرّف». ولكن أين قطاع غزة من كل ذلك؟ 
في تقريرين متزامنين، نشرا قبل أيام، كشف الصحافي البريطاني المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، ورئيس تحرير موقع «ميدل إيست آي»، ديفيد هيرست، ومحلل الشؤون العربية في    صحيفة هآرتس، تسفي برئيل، عن جهود تبذلها مصر والسعودية والإمارات بموافقة إسرائيلية، ولا شك بمباركة أميركية، لإعادة القيادي الفتحاوي المفصول، محمد دحلان، إلى الساحة الفلسطينية عبر بوابة قطاع غزة الذي يئن، للعام الحادي عشر على التوالي، تحت حصار وحشي تفرضه إسرائيل ومصر. 
حسب تقرير برئيل: «خطة دحلان: بدون حماس وبدون عباس»، ثمة «إجراءات معقدة» يتم «طبخها» بين الإمارات، مصر، غزة، والقدس، الهدف منها تنصيب دحلان، خصم الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، رئيساً لحكومة فلسطينية في قطاع غزة، في مقابل رفع جُلّ الحصار الإسرائيلي-المصري عن القطاع، وبناء محطة كهرباء جديدة في رفح المصرية بتمويل إماراتي، وإنشاء ميناء بحري لاحقاً. ويرى برئيل أنه في حال نجاح هذه الخطة، سيخرج عباس تدريجاً من المشهد الفلسطيني، ليحل دحلان محله، سواء عبر انتخاباتٍ أو من خلال اعتراف فعلي بقيادته، الأمر الذي لن تتردّد مصر والإمارات بالدفع نحوه، على أساس قرب دحلان منهما. ويشير برئيل إلى أن بدء مصر تزويد قطاع غزة بالسولار بسعر السوق، بهدف تشغيل محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع، من دون الضرائب التي تفرضها السلطة الفلسطينية.
وجاء في تقرير هيرست: «لماذا لم تدرج السعودية حماس في قائمة مطالبها لقطر؟»، على الرغم من أن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، سبق أن وصفها «إرهابية» في سياق تحريضه على قطر، إن دحلان قدم عرضاً «سامياً ومغرياً في الآن نفسه» في لقائه مع زعيم «حماس» في قطاع غزة، يحيى السنوار، مطلع شهر حزيران في القاهرة. وحسب هيرست، قدّم دحلان خطة شاملة للسنوار، خلاصتها: «اسمحوا لي بالعودة إلى غزة، وأنا أتعهد بتخفيف الحصار المفروض عليكم من الجانب المصري من الحدود». ويورد هيرست أن السنوار قبل ضمناً الصفقة، وذلك عبر مصافحته دحلان، ولم تمض أيام حتى كانت شاحنات الوقود المصري تعبر معبر رفح باتجاه غزة. وأخطر ما في تقرير هيرست أن السنوار توافق ضمناً مع دحلان دون العودة إلى مؤسسات حركة حماس، ولا إلى رئيس مكتبها السياسي الجديد المقيم في القطاع، إسماعيل هنيّة، الذي يؤكد التقرير أنه لم يكن على علم بلقاء السنوار- دحلان، ولا بالاتفاق المفترض بينهما. وينقل تقرير هيرست عن قياديين في «حماس» أن هنيّة، وقياديين آخرين في الحركة، استاءوا من ذلك، خصوصاً أن مساعي دحلان هذه لا يمكن فصلها عن مساعٍ إماراتية لتقليص دور تركيا وقطر في قطاع غزة، وإحداث شرخٍ وانشقاقٍ داخل «حماس» نفسها. ولا شك في أن التوافق الضمني المفترض بين السنوار- دحلان، سيشكل حرجاً كبيراً لحركة حماس مع كل من قطر وتركيا، إن صَحَ، ويبدو أن ثمة شواهد تعضده، خصوصاً مع إعادة تأكيد قادة كبار في الحركة تقديرهم الدعم القطري لها، وتليين الخطاب نحو إيران، في ما يبدو كأنها مساع من قيادة «حماس» العليا لتنويع خياراتها وإعادة التوازن إلى علاقاتها الإقليمية، التي تدهورت بعد الثورة السورية عام 2011. 
مفهوم أن غالبية سكان قطاع غزة الذين يقاربون المليونين، يبحثون عن حياة أفضل بعد أكثر من إحدى عشرة سنة من الحصار والحروب والقتل والدمار. ومفهومٌ أن يبحث بعض قادة «حماس» في غزة عن مخرجٍ من ورطة إدارة القطاع وشؤونه، عبر صفقةٍ مع دحلان أو غيره، خصوصاً أن عباس يتواطأ ضد نفسه، بتشديد الحصار على القطاع وفسح المجال لخصمه العنيد، دحلان، لتقديم نفسه منقذاً. إن حدث ذلك، فإنه لا يمكن حينها أن نعذر بعض المتوهمين بدحلان منقذاً بالاجتهاد الخاطئ، نعم، خيارات غزة محدودة وصعبة، وحرب إسرائيلية مدمرة قادمة، ضمن معادلة إقليمية عربية، قد تكون مسألة وقت، ولكن ملفاً بهذه الخطورة وهذا التعقيد لا يُنظر له فقط بعين داخلية مستغرقة بالأوضاع المعيشية، بل لا بدّ من أخذه ضمن سياقيه، الإقليمي والدولي، فسفك الدماء، للأسف ثابتٌ في الحالتين، والخطورة الأكبر في ما سيلي من كوارث.}