العدد 1449 /17-2-2021

إبراهيم الصديق علي

أصدر أمين عام الحركة الإسلامية السودانية المكلف، على كرتي، بيانا يوم الاثنين (١٥ شباط ٢٠٢١م)، يشكل منعطفا في السياسة السودانية، ويجيب على سؤال مستمر: أين هم؟

لقد فات على كثيرين قراءة دلالات بيان الحركة الإسلامية في ٢٨ تموز/ يوليو ٢٠١٩م، وفيه إشارة لموقفها السياسي مما حدث في ١١ نيسان/ أبريل ٢٠١٩م، وملخصه تفهمها لما جرى، وفتح صفحة جديدة للمراجعة وإعادة البناء التنظيمي ومخاطبة المجتمع، وأكدت فيه حرصها على تماسك المجتمع ووحدة الوطن وضمان انتقال سلس، وبذلك دعت أعضاءها للإنصراف عن صراع السلطة..

فتحت الحركة مرحلة جديدة عنوانها "معارضة بناءة ترد الظالم عن غيه وتحرص على أمن البلاد والمصالح العامة والخاصة"

واليوم وبعد صبر ٢٠ شهرا، فتحت الحركة مرحلة جديدة عنوانها "معارضة بناءة ترد الظالم عن غيه وتحرص على أمن البلاد والمصالح العامة والخاصة"، وأبرز مظاهر هذا الأمر، وكما جاء في البيان "تخرجون بإذن الله حراكا سلميا، من كل فج، ومن كل صقع، لرد الحقوق لهذا الشعب الأبي الذي أذله الفاشلون وأفقروه.. الخ"، وبهذا تطوي مرحلة الانكفاء على الذات وبناء الأجهزة إلى التحرك في سياق سياسي مجتمعي، وتم تحصين ذلك الانطلاق وفق محددات:

- خروج سلمي.

- الهدف رد الحقوق للشعب (وهنا تركيز الإشارة لرفع الدعم من السلع الأساسية والاستراتيحية).

- حفظ أمن البلاد وقد يهددها خطر على حدودها..

- تحديد المستهدف (النشطاء) وتحييد "الشرفاء من العسكريين وشركاء السلام".

- توسيع الدعوة لتشمل الوطنيين كافة والتيار الإسلامي العريض..

(٢)

من الضروري أن نقرأ البيان في إطار المشهد الداخلي السوداني بشكل عام، وأبرز مظاهره:

- اضطراب المنظومة السياسية في سيرها لتحقيق غايات وأهداف الفترة الانتقالية، من خلال ملامح تدخل أجنبي واضح السمات، وأجندة مريبة، حيث حركة السفراء وتغريداتهم ومواقف بعض المنظمات وكثير من الدول، وهذا أحد أكبر المخاوف السياسية.

وثانيا: الخلافات الكبيرة بين مؤسسات الحكم الانتقالي والصراعات الحزبية والمحاصصات، مما أعلى من الأجندة الحزبية، وتراجعت مصلحة الوطن وقضايا الناس ومعاشهم، مع ذلك الخلل في بنية الحواضن السياسية وتفتتها وتشاكسها، واستغلال مؤسسات الدولة لتنفيذ أجندتها.

وثالثا: غياب مبدأ سيادة القانون وبناء مؤسسات الحكم، وتغليب مصالح الأحزاب والتيارات السياسية، مما أفرز تصاعد التجمعات القبلية والأهلية، وحين تغيب الدولة تسود القبيلة..

ورابعا: هوان مؤسسات الدولة، من حيث فاعلية دورها وتأثيرها ونفوذها، ومن حيث حضورها.. تعيينات تفتقر للمعايير والكفاءة والخبرة، وتنقصها الحنكة والبصيرة، مع كثرة الاعتراضات والاحتحاجات والوقفات، وفرض أجندة خلقت بيئة سالبة في واقع الخدمة المدنية..

وخامسا: وكان نتاج كل ذلك التدهور المريع في كل مناحي الحياة، مما ضاعف المعاناة على المواطن وشكل خطرا على بقاء الدولة. لقد بلغ التضخم عن كانون الثاني/ يناير الماضي ٣٠٤ في المئة، وتلك كارثة اجتماعية واقتصادية وخلاصته Total economic collapse.

(3)

والمؤشر الأكثر خطورة، أن الحكومة الانتقالية والحاضنة السياسية تعيش حالة إنكار للواقع..

- حيث تمضي في تنفيذ سياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، مع كل تأثيراتها ونتائجها الكارثية والوخيمة على المجتمع والدولة.

- محاولة صرف انتباه المواطنين عن التحديات الكبيرة باعتقالات وسط الإسلاميين والوطنيين وكثير من الفاعلين السياسيين. لقد أصدرت لجنة التمكين توجيهات أطلقت يد الولايات لاعتقال المواطن تحت طائلة الإرهاب وغسيل الأموال وتقويض النظام الدستوري والحرب ضد الدولة. وتم القبض على صحفيين وسياسيين وأكاديميين وأطباء، وتوسعت دائرة انتهاك الحقوق.

وقد أجمل بيان الحركة الإسلامية ذلك حين أورد "أعمت بصائرهم روح التشفي والإنغلاق على الذات، وغاب عندهم العقل والحكمة، فأصبحوا غير حريصين على مستقبل الدولة ومواطنيها في ظل تهديد حقيقي لأمن البلاد وشبح حرب تظللها في شرقها"..

لم يتحدث البيان عن عودة للحكم أو رغبة في سلطة، ويبدو أن الحركة ومع تأكيدها ببداية مرحلة جديدة، فإنها جعلت سقف المواقف مفتوحا، والبيان من جانب آخر يشير إلى أن الحركة الإسلامية وليس الحزب (اي المؤتمر الوطني) هو من يتفاعل مع الأحداث..

إن البيان بكل مفرداته الهادئة وتلميحاته؛ يمثل مرحلة جديدة بكل معنى الكلمة، وعلى الأقل خرجت الحركة من المنطقة الرمادية.. وسنرى.